رمضان شهر الرحمات
الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده والصلاة والسلام على من لا
نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن أعظم الشهور عند الله شهر رمضان، فيه أنزل القرآن، وفيه ليلة هي
خير من ألف شهر، فيه تكثر الرحمات، وتغفر الزلات، وفيه تصفو النفوس
وتزكو، فرضه الله على سائر الأمم قبل الأمة الإسلامية، قال تعالى (يا
أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون).
فإذا كانت هذه الميزات كلها في هذا الشهر الكريم فلا بد لنا أن نحسن
استقباله حتى نفوز بهذه المكرمات والأعطيات، ونبدأ من مقدمات مدرسة رمضان
وهي تهييء النفوس وتزكيتها وتربيتها لتدخل هذه المدرسة المباركة بانطلاقة
قوية وذلك بضبطها وصونها عن النقائص والرعونات والترهات وسفاسف الأمور،
نقرن هذه التربية بالالتجاء للباري عز وجل امتثالاً لقوله تعالى (وإذا
سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي
لعلهم يرشدون) فاحرص أخي الصائم على ألا يفوتك رمضان وإلا وملأته دعاءً
واستغفاراً فهناك ساعات قد تذهب عنا بركتها في غير رمضان كدعاء الأسحار
الذي قال الله عنه في كتابه (وبالأسحار هم يستغفرون) في غير رمضان قد
يأخذنا النوم فلا ندرك عظمة وبركة هذه الأوقات ولكنا نكون مستيقظين في
رمضان فحذار أن تأخذنا شهوة الطعام والشراب وتنسى العبادة الحقيقة التي
قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة).
ثم لتتذكر أن تصلي ركعتين من قيام الليل والتهجد وإذا بدأت بإفطارك
فبعد أن تأخذ تمرات تفطر بها كما هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
توجه أيضاً بالدعاء فإن هذا الوقت مستجاب، اُدْعُ لنفسك وأمتك ولإخوانك
المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.
وكما بدأت صيامك ويومك بالطاعة وختمته بالطاعة فلتحافظ في وسطه على
هذه الطاعات ولتتذكر أن لوك الناس بألسنتنا والتكلم عنهم بسوء تعد من
الكبائر وإذا بدأنا بطاعة وختمنا بطاعة ووجعلنا بينهما معصية نكون خلطنا
عملا صالحا وآخرسيئا فعسى الله أن يتقبل منا.
وتذكر أخي الصائم أن الغاية من الجوع والعطش هو أن تسكن النفس لبارئها
وتشعر بالخضوع والخشوع له سبحانه بدل التكبر والتعنت فالإنسان إذا شبع
ظهر أثر الشبع على جوارحه وأعضائه فتراه يمشي مشية المتكبر ويتبختر في
مشيته ويتشدق في كلامه، أما إذا كان صائماً جائعاً فيختلف ذلك كله.
أراد الله من الصوم في شهر رمضان أن يذكر عباده الذين يحبه بأحب الصفات
إليه سبحانه (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلاماً والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً والذين يقولون
ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً).
هذه إيمانيات رمضان وهذه بعض فصول من نفحاته.
أما يتعلق بحقوق العباد فتجد الصائم يشعر بألم الجوع خصوصاً في هذه
الأوقات التي تصل ساعاتها الطويلة إلى ست عشرة ساعة تقريباً مع الحر الذي
يلازمها فتجد المؤمن يشعر هذا الألم فيذكر الفقراء والمساكين الذين لا
يجدون ما يطعمون به أنفسهم وعيالهم فتجده يعود بماله على من لا مال عنده
وهكذا يسعد الناس جمعياً وتصلح أحوالهم.
فإذا أقبل العيد لزمنا أن نحافظ على هذه النفحات كي نزداد من الله
قرباً ولنكون في زيادة من الطاعة امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: (من لم يكن في زيادة فهو في نقصان).
والحمد لله رب العالمين.
--------------------------
أرشيف كلمات الشهر
|