واحة الفكر
والثقافة
>>
آيات قرآنية :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق اجتماعية دعا إليها الإسلام
إصلاح ذات البَين
قال الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9) إنمات المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10)} [الحجرات: 9ـ10].
المؤمن أخو المؤمن والأخوة رباط قوي من روابط الإيمان الحقيقي، لذلك كان لزاماً علينا أن نسارع ودون أيِّ تهاون إلى رأب الصدع وإصلاح الخلل بين الأخوة قبل أن يستفحل الشر ويعضل الداء، لننال الرحمة والبر الإلهي.
لقد اهتمَّ الإسلام بمسألة احتمال وقوع خلاف بين المؤمنين وأخذها بعين الاعتبار؛ وذلك لأن المؤمنين بشر، والبشر يخطئون ويصيبون، ويعسر أن تتفق آراؤهم أو تتوحد اتجاهاتهم دائماً ولهذا عالج الإسلام مسألة الخلاف هذه، على اختلاف مستوياتها، بدءاً من مرحلة المشاحنة والمجادلة ومروراً بالهجر والتباعد، وانتهاء بمرحلة الاعتداء والقتال، وقد نصَّ القرآن الكريم على الحلِّ الأمثل لعلاج مثل هذه الحالة الطارئة ويتمثل بانتهاج طريقين اثنين هما:
أولاً ـ العمل على جمع شمل المتخاصمين وإصلاح ذات بينهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
ثانياً ـ في حال تمرد إحدى الفئتين المتخاصمتين على أحكام الصلح وقبول الأخرى بها، يجب إخضاعها له بالقوة فإذا ارتدعت وانقادت فالصلح سيِّد الأحكام والعدل رائد الجميع في إتمام مسيرة السَّلام، وبذلك تنتزع جذور الشرِّ من القلوب وتزرع مكانها بذور المحبة والوئام لينفصلوا بعد اتحاد، ويتنافروا بعد اتفاق،ويتعادوا بعد أخوَّة؛ فما دامت هناك مجتمعات وتجمع واجتماعات، فلا بد من وجود أسباب للاتفاق وأخرى للاختلاف، ولا بد من التباين في تلك الآراء، وعجز كل طرف من أصحاب الخلاف من إدراك وجهة نظر الطرف الآخر، للطائفتين كلتيهما على الرغم من اقتتالهما مع احتمال أن تكون إحداهما أو كلتاهما باغية، وفي مواجهة ظرف كهذا يتوجب على كل عاقل حكيم مدرك للأمور، يتمتَّع بسعة الصدر، وبعد النظر أن يتقدم لإصلاح ذات البين، وتضييق شقة الخلاف، ونزع العداوة من القلوب، وإحلال المحبة والسَّلام، على أن يكون حكماً عدلاً منصفاً في إيصال كل ذي حقٍّ إلى حقِّه، فقد جاء في الحديث الشريف: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين)) رواه البخاري ومسلم.
فإذا ما صدر الحكم العدل عن هيئة اجتماعية معروفة بالعدالة والتقوى وجب على الجميع الالتزام به، والتقيُّد بأحكامه إذعاناً للحقِّ وإرضاءً للضمائر الحيَّة، أما إذا ما قلب بعض الناس ظهر المحن، وغلبتهم أهواؤهم ومطامعهم، وانبروا للاعتداء والخروج عن الجماعة، فلا بدَّ للجميع من الوقوف ضدَّهم لصدِّهم عن غيِّهم وتماديهم، دون أن تأخذهم في دين الله رحمة أو شفقة بهم.
فإذا انتبهوا والتزموا جانب الصواب، يعفى عنهم ويتجاوز عن سيئات أعمالهم، بعد أن يصلحوا ما قاموا بإفساده، وينبغي تحرِّي العدل والإنصاف بين المتخاصمين لأن الله تعالى يحب العادلين جاء في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلت: يا رسول الله هذا نصرته مظلوماً فكيف أنصره ظالماً؟ قال تمنعه عن الظلم فذلك نصرك إيَّاه)).
وفي الختام تُقرِّر الآية الكريمة أن الأخوة الحقيقية هي أخوَّة الإيمان، فالمؤمنون أخوة يجمعهم رابطة الدِّين، فلا يليق بهم أن يسمحوا للعداوة أو الشحناء أن تسري بينهم، فأخوَّة الإسلام أقوى من أخوَّة النسب، بحيث أن أحوَّة النسب تفقد قيمتها إذا خلت من أخوَّة الإسلام.
لذا يجب أن نتحلى جميعاً بالتقوى لتهب علينا نفحات الله عز وجلّ، ولتبقى المحبَّة مزدهرة بيننا وارفة الظلال.
والحمد لله رب العالمين
كتبه: غازي صبحي آق بيق |