وجهة نظر
>>
مشكلات اجتماعية :
كيف يقترب الأبوان من قلوب أبنائهم وبناتهم؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أدبه ربه فأحسن تأديبه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إن الدخول إلى قلب الإنسان أمر صعب، حار فيه المربون وأرباب التربية، وتفننوا في طرح السبل التي بها يلجؤون إلى القلوب كي يصوغوها، وفق مبادئهم ومناهجهم، ومن ثم يخرجون تلك النماذج البشرية بصور تتفق وأهدافهم وتطلعاتهم المستقبلية، وكل يدعي أنه يصدر بشراً صالحين نافعين في المجتمع.
الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع، وهي تتكون من أبوين وأفراد، وإن مهمة إعدادهم وإخراجهم إلى الحياة رجالاً ونساء صالحين من مهمة والديهم، ومن هنا نوافق من يقول: إن الأبوين يقومان بأجل الأعمال وأثمن الوظائف.
وفي تقديري إن الأم تضطلع بدور كبير في تربية الأبناء، والأب دوره خارج المنزل إضافة إلى أنه رديف الأم في هذا الدور؛ ولذلك ينبغي إعداد الأمهات والآباء إعداداً كافياً للقيام بهذه المهمة الشاقة.
وفي هذا المقال لا أريد الخوض في مناهج التربية مالها وما عليها، وإنما أود أن أضع أمام الآباء والأمهات رؤيتي في طرح آراء تساعدهم على الاقتراب من قلوب أولادهم؛ لتكون بمثابة دفة السفينة التي توجهها في الطريق الصحيح، لتصل إلى شاطئ السلامة، وأعتقد أن إدارة السفينة في هذه الأيام ليست سهلة؛ ولا سيما أن الحياة في عصر العولمة تموج وتمور بأفكار ونظريات تربوية متنوعة، وهناك أطروحات من هنا وهناك من الشرق والغرب حيرت المربين من أين يبدؤون، وكيف؟ وماذا يأخذون؟ وماذا يدعون؟ وما حجم ما يستفيدون من الآخر؟ ومن المرجع الذي يعرفنا ويشرح لنا ما الضار وما النافع؟ وكيف نستفيد من تراثنا التربوي؟ ونوظفه في واقعنا.
أنا أعلم أن غالبية أسرنا لا تعرف التراث التربوي سواء تعلق بنا أم بغيرنا؛ ولذلك لا بد من وضع تسهيلات تربوية أمام المربين ليطلعوا عليها، بيسر وسهولة، ولا تحتاج إلى جهد كبير من أجل تطبيقها بعيدا عن تعقيدات التنظير والتطبيق، ونحن نستفيد من خصائص ديننا الحنيف، ومن أهمها اليسر والتيسير في كل ما شرع.
قراءنا الكرام، سأختار مرحلة مهمة من مراحل حياة الأولاد، تحتاج في هذه الأوقات إلى تحصين ذاتي قوي قادر أن يقف بشموخ واعتزاز أمام الهجمة العالمية التي ترمي إلى جرف فلذات أكبادنا إلى مستنقعات التمرد على القيم والأخلاق والهوية؛ إن المرحلة التي اخترتها هي التي اصطلح عليها بالمراهقة! وهي التي تبدأ من السنة الثالثة عشرة أو قبلها بقليل، وقد أكتب فيها عدة مقالات حتى أستوفي جميع مطلوباتها، أسأل الله أن يعينني على ذلك.
أيها الأحباب الكرام من الآباء والأمهات، سأضع أمامكم في هذا المقال بعض الرؤى في هذا المضمار. وأطلب منكم أن تجربوا هذه الآراء في أثناء تربية أولادكم وإن كانت شاقة؛ لكنكم إذا أخلصتم النية، واستعنتم بالله سبحانه وتعالى، ثم أدركتم أن ما تقومون به ما هو في الحقيقة إلا رصيد تضعونه في أرقام حساباتكم في مصارف الحسنات الدنيوية والأخروية، وما أجمل الحياة في أسرة تسعد بأبناء يحترمون ويقدرون، ويطيعون آباءهم وأمهاتهم أبناء صالحين في أنفسهم وصالحين في مجتمعاتهم ؛ وإذا رحل مربوهم عن هذه الدنيا الفانية، يستمر هؤلاء البررة في مواصلة البر، ومن أهم ثمراته الدعاء لمن كان له الفضل في وجودهم بعد الله، وكذلك صلة من كانوا يصلون، والاستغفار لهم وتفقد أصدقائهم، والتصدق عنهم، وفعل الخيرات نيابة عن ذواتهم؛ لأن الأبناء امتداد للآباء والأمهات.
إن أول عمل أوصي به المربين في أثناء التعامل مع هؤلاء الفتيان: أن يقتربوا من قلوبهم وعقولهم، وذلك باتخاذهم أصدقاء أوفياء، أي أن يزيلوا ما بينهم وبين أولادهم من الحواجز التي يصطنعها بعض المربين بذريعة بقاء الهيبة والتي تباعد بين القلوب والعقول، وخاصة داخل الأسرة الواحدة.
يجب أن يُشْرِكَ المربون أبناءهم في إدارة صيرورة الأسرة ورسم مستقبلها، وخاصة اختيار الأصدقاء والصديقات بالنسبة للأبناء والبنات، أي: يجب أن يعرف الأبوان مع من يمشي أولادهم؛ بل ويتعرفون على أُسَرِ رفقاء أبنائهم، ويقيمون معهم صلات كي يطمئن الجميع على المسيرة؛ وأنا أصر على حرص المربين على اختيار أصدقاء أولادهم، والسؤال عنهم، ولابد من التعاون والتشاور بين الكافة؛ والقيام بزيارات متكررة إلى المدارس والمنتديات ومراكز التدريب والتطوير والتنشيط المتنوعة، وحلق تحفيظ القرآن والتي اتفق المربون أن يضعوا ذراريهم فيها؛ من أجل تمتين الصلات بينهم، والقضاء على الفراغ، وهو السم الذعاف الذي يقتل الشباب والشابات؛ في هذا الإجراء يحقق المربون مرابح مفيدة، ومن أهمها: القضاء على الفراغ الداخلي والخارجي، وهم مطمئنون على الخطوات التي خطوها في هذا المجال؛ وكذلك تحصين الذرية بأخِلاء ينتمون إلى أسر طيبة متعاونة فيما بينها، وأيضا تأمين أرضيات ممتعة ومفيدة.
أكاد أجزم أن المربين لو فعلوا، ونفذوا ما بسطته لجنَوْا فوائد كثيرة، ولكسبوا فلذاتهم، ولوسعوا دائرة التعارف الاجتماعي الخيِّر؛ وأنا أخطئ من يعتقد أن عزل الأولاد عن المجتمع بحجة التربية الصحيحة - هو الإجراء السليم -، وهو يعلم أن المرء يعرف بخليله، وهو وإن استطاع أن يعزل أبناءه عن الآخرين في المرحلة الطفولية وما بعدها بقليل؛ ولكن سيعجزون مستقبلاً؛ ولاسيما عندما يكبر الأولاد، ويصبحون في المرحلة المتوسطة و الثانوية؛ إذن أليس من الأفضل أن نحل هذه المعضلة منذ وقت مبكر، وبأسلوب هادئ، ولا غنى لنا عن هذا عاجلاً أو آجلاً، ولا ينبغي أن نتهرب من هذه المسؤولية؛ لأن الإنسان فُطِرَ على الاجتماع لا على الافتراق، فأنت أيها الأب وأيتها الأم مسؤولان أمام الله تعالى عن هذا الكنز الثمين وحفظه ورعايته، وإن الذي وضعته أمام أعينكم من رؤية تساعدكم في تربية ما ائتمنكم ربكم عليه يتطلب منكم جهدا كبيرا لا تستطيع الزوج الولاجة الخراجة أن تقوم به، وكذلك الأب المضياع للوقت المتلاف الذي لا يبالي أين تذهب ابنته، ولا ابنه، كل همه الجري وراء الدنيا، فهو معزول عن أولاده.
أخيراً سأكتفي في هذا المقال بما ذكرت وإن شاء الله سأفتح ملفات أخرى أتطرق فيها إلى معالم أخرى تهدي الحائرين والحائرات، وأختم بالتأكيد على مسلمة أوجزها رسول الإسلام في الحديث: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وفي حديث آخر شبه النبي صلى الله عليه وسلم: الصديق السيئ بنافخ االكير، والصديق الصالح بحامل المسك (كما في الحديث المتفق على صحته)؛ ولا أظن القارئ يجهل أثر كل منهما، وأترك للمطالع أن ينعم النظر في هذين الحديثين، ويقارن بينهما وبين ما قررته سابقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على معلم البشرية.
منقول بتصرف
|