اخترنا لكم
>>
ما رأيك أن تعلم
:
فنون الذوقيات والإتيكيت الإسلامي
محاضرة للدكتور محمد خير الشعال
1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
أمر الإسلام بحسن الخلق ورتب عليه أجراً عظيماً ومقاماً كريماً،
وعليه التزم الصحابة والتابعون بالخلق الحميد والذوق الرفيع بل سطروا
نماذج راقية فيما هو فوق الأخلاق من سمو المشاعر ودقة الأحاسيس وذوقيات
قلما تجد لها مثيلاً في التاريخ، ومضت الأيام تلو الأيام حتى وصلت
البشرية إلى حالة يرثى لها من سوء الخلق وانعدام الذوق إلا من رحم الله
تعالى وقليل ما هم، مما كان له الأثر الكبير في تنافر القلوب وتخاصم
النفوس وانتشار الحدة في التعامل وقلة الذوق في السلوك، فرأيت أن أبين
كيف ربى الإسلام الأمة على الذوق الرفيع فوق الخلق الحسن. فلعل مع زحمة
الحياة أن تهمل هذه الذوقيات ومع النظرة السطحية ألا تستوعب، ومع ما
جبلنا عليه من طبائع مختلفة أن يغلب الطبع ومع الخلل في التركيبة
السكانية أن تتلاشى حتى نلطف الأجواء بسلوك الروح ونفحات الأخلاق
.
أبرز أسباب وجود سلوكيات بعيدة عن الذوق السليم:
الأول: غياب التربية الإسلامية:
إن تغييب التربية الإسلامية عن محاضن الجيل أفضى إلى سلوكيات مخدشة
وتصرفات مؤذية واستمراء للبذاءة، ذلك أن تغييب التربية الداعية إلى إخراج
آكل الثوم والبصل مع حلهما ونفعهما من أطهر مكان وأعظم عبادة وأرقى صورة
للجماعة والتعاون ألا وهي صلاة الجماعة لا لشيء إلا لأنه يؤذي برائحتهما
من حوله، ومثل هذه المعاني الذوقية كثير، إن هذا التغييب مقدمة نتائجها
واقع الحال.
الثاني: غياب القدوة:
إن الجيل الذي يتقلب في مواقف يرى في أغلبها قلة الذوق في القدوات سيكون
أبعد ما يكون عن الخلق بل الذوق، هذا الجيل الضحية كيف بعد هذا نطالبه
بترجمة المعاني الذوقية ولم يتشربها بل لم تعرض عليه قط بل رأى عكسها
تماماً، بدءاً من والد يتعاطى الدخان، ووالدة ترمي القمامة في الطرقات،
ومدرس يتلفظ بقبيح القول وسيء العبارة، وواعظ لا يلتفت إلى ذوقيات الدعاة
في مظهره ولا في أسلوبه.
الثالث: سلبية المؤسسات الفاعلة في المجتمع:
الأهلية منها والرسمية الإيجابية منها والسلبية، فانظر إلى بعض مطاراتنا
ومدارسنا ودوائرنا سترى دورات المياه فيها مثلاً تدعو إلى قضاء الحاجة
واقفاً كاشفاً للعورة، وبعض الوسائل الإعلامية تهون من تداول الكلمة
النابية وتشعل الخيال الماجن وتزرع قنابل موقوتة وتثير ما لا يحمد
إثارته.
الرابع: عدم تهذيب الطبائع:
تقر التربية الإسلامية اتصاف الناس بطبائع متفاوتة ولأسباب متعددة منها
اختلاف البيئات، فالأعرابي غير القروي، غير البحري، غير المدني، ومنها
اختلاف الأجواء فأهل البلاد الحارة غير أهل البلاد الباردة غير أهل
البلاد الرطبة، ومنها اختلاف الأطعمة، فآكلوا اللحوم غير آكلي الأسماك،
غير آكلي الخنازير، ومنها اختلاف المهن، فطبائع السماك غير طبائع النجار
غير طبائع الحجام، ومنها اختلاف الأعراف.
التربية الذوقية في التعاليم الإسلامية أصيلة غير متكلفة ولا طارئة، بل
قامت على أسس ومن أهم هذه الأسس:
أسس التربية الذوقية:
أ- الأمر بالخلق الحسن:
إن جملة الأوامر في الكتاب والسنة الداعية إلى حسن الخلق كثيرة جداً، بل
في غير ما موضع تقرن النصوص بين الإيمان والخلق فكأنها تقول لا إيمان لمن
لا خلق له، متى ما التزمت الأمة بالأخلاق الحميدة ارتقى السلوك بعطر
الأخلاق ونفحات الروح.
ب- النهي عن سوء الخلق:
ببيان أنه من علامات نقص الإيمان بل في غير ما نص غدَ صاحبه من أهل النار
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
فُلاَنَةَ تَذْكُرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا
غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِى جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا قَالَ « هِيَ فِي
النَّارِ » (مسند الإمام أحمد) وبهذا النهي يرقى السلوك أكثر.
ج- التحذير من الأذى:
حرم الإسلام الأذى بكل صوره حتى عد المؤذي للحيوان من أهل النار كما في
قول رسول الله
r: « دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ
هِرَّةٍ
لَهَا - أَوْ هِرٍّ - رَبَطَتْهَا فَلاَ هِي أَطْعَمَتْهَا وَلاَ هِي
أَرْسَلَتْهَا تُرَمِّمُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلاً
»
(رواه مسلم)، هذا التحريم الشديد للإيذاء يدعو المسلم
إلى تجنب الإيذاء
صغيراً كان أم كبيراً، في حق الناس! كان أم الحيوان أم النبات، حتى
الجماد، ومن خلال هذا الأساس التربوي يرقى السلوك أكثر فأكثر.
د- إقرار الأعراف الحميدة:
إن التربية الإسلامية تقر الناس على أعرافهم ما لم تخالف الكتاب والسنة
ومقاصد الشريعة، وعليه فهي تربي المسلم على مراعاة أعراف الناس، وهذا
أساس أصيل في بناء التربية الذوقية.
هـ- تميز الشخصية المسلمة:
عمق الإسلام في الشخصية الإسلامية مبدأ التمايز فليس المؤمن بالإمعة ولا
التابع بل هو المتبوع ولأجل ذلك حرم الإسلام التشبه باليهود والنصارى
وغيرهم بل صرح بالمخالفة لتبقى الذات المسلمة متميزة في سلوكها، وهذا
المعنى من شأنه أن يرقى بالسلوك أكثر.
وعليه فمن المليح جداً بيان جوانب الذوق في التربية الإسلامية في المأكل
والمشرب والملبس والمجلس والمعايشة والحديث والمصافحة والضيافة والمنظر
والزيارة والمراسلات والمهاتفة وغيرها كثير.
ذوقيات المظهر العام:
الرائحة الزكية
:
إذا شم أحد رائحة غير طيبة من آخر قطب عن جبينه وسد أنفه ويكاد يغمض
عيناه، وبتلقائية يصد يمنة أو يسرة، كل هذه النفرة بسبب الرائحة غير
الزكية، هذا وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: « كُنْتُ أُطَيِّبُ
النَّبِىَّ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ ، حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِى
رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ » (رواه البخاري)، ولا بد من السعي لإزالة روائح
الجسم، فعن عائشة رضي الله عنهـا أنها قالت: إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ
يَسْكُنُونَ الْعَالِيَةَ فَيَحْضُرُونَ الْجُمُعَةَ وَبِهِمْ وَسَخٌ
فَإِذَا أَصَابَهُمْ الرَّوْحُ سَطَعَتْ أَرْوَاحُهُمْ فَيَتَأَذَّى
بِهَا النَّاسُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فقال: « أَوَ لَا
يَغْتَسِلُونَ » ( رواه النسائي
).
إكرام الشعر
المسلم مدعو إلى أن يكرم شعره، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت
أرجل رأس رسول الله وأنا حائض " (رواه البخاري)، ورأى الرسول- رَجُلاً
شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ: « أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا
مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ » (رواه أبو داود)، وعن ابن عمر رضي الله
عنهما أن النبي:« نَهَى عَنِ الْقَزَعِ » (رواه البخاري) والقزع هو حلق
بعض الرأس وترك بعضه ( المارينز
).
الفطرة
:
طول الأظفار مدعاة لتجمع الوسخ تحتها، ومظنة الإيذاء ومخالفة للفطرة،
كما بين رسول الله
r فيما يرويه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن
رسول الله قال: "من الفطرة حلق العانة وتقليم الأظفار وقص الشارب (رواه
البخاري).
اللحية
:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: « انْهَكُوا الشَّوَارِبَ
، وَأَعْفُوا اللِّحَى » (رواه البخاري)، وكانت سيدتنا عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها إذا أقسمت قالت أحياناً: والذي أكرم الرجال باللحى، فمن
جمال الرجولة وحسن الطلعة وهيبة المنظر إعفاء اللحية.
الثياب الطاهرة
:
إن حال الثوب دليل على صاحبه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
قال: ورأى- أي الرسول - رجلا آخر وعليه ثياب وسخة، فقال: " أما كان هذا
يجد ماءاً يغسل به ثوبه ! ، وعن عوف بن مالك أنه قال: أتيت النبي : في
ثوب فقال: " ألك مال، قال نعم، قال: من أي المال، قال، قد آتاني الله من
الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: فإذا أتاك الله مالاً فلير أثر نعمة
الله عليك وكرامته ! ، وروى وكيل عن ابن مسعود أنه "كان يعجبه إذا قام
إلى الصلاة الريح الطيبة والثياب النقية" وقال الميموني: "ما رأيت أحداً
أنظف ثوباً ولا أشد تعاهداً لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولا أنقى
ثوباً وأشد بياضاً من أحمد بن حنبل، وقال محمد الغزالي رحمه الله: "وبعض
حديثي التدين يحسبون فوضى الملابس واتساخها ضرباً من العبادة وربما
تعودوا ارتداء المرقعات والتزين بالثياب المهملة ليظهروا زهدهم في الدنيا
وحبهم للآخرة، وهذا من الجهل الفاضح بالدين والافتراء على تعاليمه
".
الأبيض
:
يا حبذا الأبيض من الثياب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال، قال
رسول الله: " البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم" ، هذا وقد ثبت
أن الرسول لبس الأبيض وغيره، والعرف هنا يلتفت إليه ما لم يخالف السنة،
قال ابن حجر: قال الطبري: " الذي أراه، جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون
إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعاً بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقاً فوق
الثياب لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا فإن مراعاة زي الزمان من
المروءة ما لم يكن إثماً وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة"
.
النعل الحسنة
:
يا حبذا المحافظة على النعل نظيفاً واختياره جميلاً بعيداً عما يخدش
الرجولة من رسومات أو ألوان غير لائقة أو كعب مخل، واحذر إصدار أصوات عند
المشي تصف صاحبها بالسفه والحماقه، هذا ولقد صرح صحابي ووافقه الرسول بحب
الإنسان أن يكون نعله حسنة، فعن أبي مسعود عن النبي قال: "لا يدخل الجنة
من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه
حسنا ونعله حسنه ، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط
الناس))
".
غطاء الرأس
:
ومن حسن المظهر تغطية الرأس إلا إذا كان مخالفاً للعرف، قال ابن مفلح:
"ويكره له كشف رأسه بين الناس وما ليس بعورة مما جرت
العادة بستره ".
الجيب
:
ومن حسن المظهر أن يرتب المرء، ما في جيبه لا أن يجعل الجيب منتفخاً
بحمله حاجيات هو في الحقيقة غير محتاج لأكثرها ثم لعله لسوء ترتيبه أن
يبحث عن شيء عنده فلا يجده، وإذا غضب أصدر عبارات أو تصرفات غير لائقة.
الترتيب
:
إن الانتباه إلى وضعية الثياب أمر مهم جداً وعكس ذلك مخدش جداً، فكما
هو مشاهد أن البعض ينسى ربط أكمامه فيبدو كالمهرج وغيره لا ينتبه إلى
أزرار سرواله وآخر يؤخر عقاله وغيره يميله جهة اليمين أو الشمال.
الحقيبة
:
البعض يحمل أوراقه بطريقة مزعجة له ومخدشة بمظهره وموحية بالفوضى
والحماقة، وقد تسقط ولمرات كثيرة وفي كل مرة يقف ليتناولها من الأرض
وهكذا يضجر ويتبع الضجر خروج عن الرزانة إلى الخفة، كان الأجدى بهذا أن
يقتني حقيبة يضع فيها ما يريد وبذلك يحقق أكثر من هدف، ولكن انتبه يرحمك
الله ألا تكون الحقيبة غير مناسبة لعمرك ولوضعك الاجتماعي أو عليها
رسومات مخلة أو دعاية لحرام، ومن جمال المظهر ما قاله النووي رحمه الله:
"التأني في الحركات، واجتناب العبث هو السكينة
المحمودة، أما غض البصر
وغض الصوت وعدم الالتفات فهو الوقار" ، ولكن احذر هداك الله من الثقل
والورع المتكلف والحركة وكأنك رجل آلي، فإن هذا مما ينفر الناس
|