اخترنا لكم
>>
قصة و عبرة
:
قصة الحب ...
في قديم الزمان ، حيث لم يكن على الأرض بشر بعد ، كانت الفضائل والرذائل تطوف العالم معاً وتشعر بالملل الشديد ، ذات يوم وكحلٍ لمشكلة الملل المستعصية ، اقترح الإبداع لعبة وأسماها )) الاستغماية أو الطميمة )) .
أحبَّ الجميع الفكرة وصرخ الجنون أريد أن أبدأ ... أريد أن أبدأ.
أنا من سيغمض عينيه ويبدأ العدّ ، وأنتم عليكم مباشرة الاختفاء .
ثم انه اتّكأ بمرفقيه على شجرة وبدأ واحد .. اثنين .. ثلاثة ... وبدأت الفضائل والرذائل بالاختباء... وجدت الرقة مكاناً لنفسها فوق القمر ، وأخفت الخيانة نفسها في كومة القمامة ، اختفى الولع بين الغيوم ، ومضى الشوق الى باطن الأرض ، الكذب قال بصوت عالٍ : سأخفي نفسي تحت الحجارة و توجه لقعر البحيرة .
واستمرَّ الجنون : تسعة وسبعون .. ثمانون ....
خلال ذلك أتمت كل الفضائل تخفيها عدا الحب ... كعادته لم يكن صاحب قرار وبالتالي لم يقرر أن يختفي ! وهذا غير مفاجئ لأحد فنحن نعلم كم هو صعب إخفاء الحب ...
تابع الجنون خمسة وتسعون .... سبعة وتسعون ....
وعندما وصل الجنون في تعداده إلى مائة قفز الحب وسط كومة من الورود واختفى بداخلها ... فتح الجنون عينيه وبدأ البحث صائحاً : أنا آتٍ إليكم .
كان الكسل أول من انكشف لأنه لم يبذل جهداً في إخفاء نفسه .
ثم ظهرت الرقة المختفية في القمر .
وبعدها خرج الكذب من قاع البحيرة مقطوع النَفَس .
وأشار على الشوق أن يرجع من باطن الأرض .
وجدهم الجنون جميعاً ... واحداً تلو الآخر .... عدا الحب ...
كاد أن يُصاب بالإحباط واليأس في بحثه عن الحب ... حين اقترب من الحسد وهمس في أذنه : الحب مختفٍ في شجرة الورود .
التقط الجنون شوكة خشبية أشبه بالرمح ، وبدأ في طعن شجرة الورد بشكل طائش ولم يتوقف إلا عندما سمع صوت بكاء يمزق القلوب .
ظهر الحب وهو يحجب عينيه بيديه ... والدم يقطر من بين أصابعه ... صاح الجنون نادماً : يا إلهي ماذا فعلت ؟؟! ماذا أفعل كي أصحح خطأي بعد أن أفقدتك البصر .
أجابه الحب : لن تستطيع إعادة النظر لي ، لكن لا زال هناك ما تستطيع فعله لأجلي .. كُن دليلي ... وهذا ما حصل من يومها يمضي الحب الأعمى يقوده الجنون ...
وبينما كان الجنون يقود الحب الأعمى ... يسيران في مضائق الحياة بلا هدى ... يمتطي كل واحد منهما الآخر حيناً من الزمن .. يتعبان فيستلقيان في مطارح الهوى .. يتصارعان فيهدد الجنون الحب أن ليس غيري قائداً ... قيمتك من وجودي معك ... ويخاطبه باستخفاف قائلاً : حب بلا جنون ... أيستقيم هذا يا أهل المجون ؟!
فيطأطئ الحب رأسه ويلعق جرحه ويتابع المسير في فجاج الحياة وعقباتها الكؤود ، كلما هبطوا من عقبة قاده إلى أختها ، وذلك المخلوق المسمّى الحب يتأوه من هذه الصحبة ويتمنى الخلاص منها ... وفي ليلة من الليالي ، وبعد أن هدأ الجنون و أكدّه تخبط النهار ... وأخذ يغط في نوم عميق عميق .. قام الحب الجريح في هدأة الليل الفسيح ، يشدو على أوتار قلبه ، يرثي دماء سُفحت من جرحه ، يبكي من ذكر مطارح أخذه إليها الجنون ليست من مطارحه ... يندب ساعات قضاها مع الهوى ، إذ ادّعى أنَّ له صلة قرابة حميمة مع الحبّ.
في تلك الأثناء بكى الحب كثيراً .. فقد أتعبه المسير ... وهاهو يخشى طلوع النهار لتبدأ معه رحلة الشقاء من جديد.
لقد بكى وأبكى كل من كان حوله ، حتى ضجت كل المخلوقات بالبكاء ، فقامت إليهم غمامة بيضاء تستفسر عن هذا الضجيج والبكاء .. وأخذ الحب يتهدّج صوته بالنشيج والبكاء وأنصت الكون في ثلث الليل الأخير إلى الحب وهو يروي قصته مع الجنون ... وكيف كان اللعب أول الشجون ... فما استفاد الحب من اللعب إلا صحبة الجنون .
فقالت له الغمامة البيضاء وهي تربّت على كتفه ربة الحنون ... لقد أسأت أيها الحب الى مجدك اذ لعبت مع الحسد والكذب والجنون ...
ولكن لا عليك فبكاؤك قد وجد مجيباً ، وأنا اليوم سأكون لك كالعيون ... فمثلك لا يليق به العمى فاحذر بعدها من رفقة الجنون ...
فرح الحب بهذا الكلام وقبل أن تنطلق الغمامة البيضاء مع الحب في مروج خضراء وعدته أن تُريَهُ إياها ، تركت للجنون الذي كان لا يزال يغطّ في نوم نومه المزعج الثقيل بطاقة كتب عليها: { أيها الجنون ... أنا الهدى ... لقد انتهت مهمتك ، ولم يعد الحب بحاجة إليك ... إياك أن تبحث عنه أو أن تتبعنا بجنونك ، ستجدني أقوى منك ولن أسمح لك أن تأخذ الحب من بين يدي ... التوقيع : الهدى } .
ومن ذلك اليوم والمعركة دائرة رحاها بين الجنون الذي أفاق من نومه مذعوراً ، وبين الهدى الذي انتشر منه النور .
وهكذا لقد عاد الحب بصيراً ..... وعليه أن يختار بين الهدى والجنون ....
الحب إذا كان مفتوح العينين بنور الهداية الصحيحة كان
من أجمل وأرقى المشاعر وأخلدها .
منقول .
|