وجهة نظر
>>
خواطرأنثوية :
ضجيج سكون الألم :
من بخار روحي المتألمة خرج ذاك اليأس المترع بالألم ..
ظهر يأسي المُحَمَّل بالآهات .. المشبع بالهموم ..
في غمرة سكون البشر اعتلى اليأس صدري ، وفي رعشة أوصال البشر – من شدة البرد – سكن اليأس صدري .
كانت غرفتي صغيرة كالقبر .. لا يحط على شياكها طير .. ولا تطل من عينها نجمة ..
كان هناك صوت ضوضاء يأتي من بعيد يجرح سكون ليلي الهادئ .. صوت يأتي من بعيد ويغزو حواسي فيغرق أعماقي بطوفان المرارة والقهر ..! ذاك الصوت جعلني أنتبه !!
لِمَ يداي ترتجفان ؟! وضعت إحدى يداي على الأخرى فأيقنت أنني خارجة من محيط متجمَّد كالذي غرق فيه عشاق التيتانيك وسألت نفسي : في أي شهر نحن ؟! في أي فصل من فصول السنة نحن ؟!
لم أجد لأسئلتي جواباً منطقياً إلا أن أخرست تمرُّد جسدي من البرد بإقناعه بأن كل شيء في الدنيا يمشي عكس التيار .. والفصول كذلك ..!
في ذاك الوقت كنت أشعر أن منشار القهر يحز إنسانيتي المسحوقة .. كنت أشعر أن الأضواء المبهرة تنسكب على وجنتي شلالات لهب حهنمية .. كنت أقف مثل قصبة يتيمة في مهب ريح عاصفة والملح يسري في عروقي وتتسلق روحي ضجر العالم .. كانت ارتعاشات الحمى تسري في عروقي والنار تأكلني !!!
فكيف أستطيع دفع حريقي إلى الخارج ؟!
كانت الموسيقا تعزف ألحانها الراقصة .. إيقاع الآلات الموسيقية يرتفع أما إيقاع قهري فهو ينمو ويتطاول ويفرز أشواكه الحادة في رأسي ....
في تلك الليلة المتمردة الباكية جلست مع ذاتي .. لأمسك جذور اليأس وأقتلعه منها .. وآه من نفسي .. تماهت مع وحدتي .. وغرقت في طموحاتي .. ولم تُجبني .. ناديتها ... رجوتها ... توسلتها ... أريد عونك يا حبيبة .. فرمقتني بنظرة سخرية وهمست في أذني : الألم يطغى ويترك جرحاً بحجم الذاكرة وسرعان ما يتحول الألم العميق إلى روح مشلولة عاجزة باكية .
عدت أنصت لصمت الليل .. وابتسمت .. ما أجمل البرد ! يجعل بني البشر يسرعون إلى بيوتهم ويغلقون أفواههم ويستجيبون لصمت الليل وهدوئه ... ويستجيبون لقتل اليأس فليس هناك شعور أكثر خنوعاً منه ....
أنا هنا أموت ببرودة مذهلة وقسوة همجية .. ولا أحد يشعر بإنسانيتي المنهكة ..
اعتصرت ألماً .. بكيت وجعاً .. وبكيت ..
كم علينا أن نتحمل من المصائب أو الهموم دون تذمر أو حتى اعتراض ؟!!
كم علينا أن نحمل من المسؤوليات دون وجع أو حتى دون لحظة ضعف واحدة ؟!!
كم علينا أن نعيش مثاليات ما خُلِقَت أساساً ولم يكن يوماً لتخلق ؟!!
أغرقتني دموعي .. غطت وجهي ويدي .. تمنيت لو كنت أملك جناحين لأحلق بهما فوق عقول كل البشر و أسخر من إسفافهم ... وأتجه إلى حبيبي وأقف بين جنباته .. أقف على قاسيون لأنادي بأعلى صوتي :
أيها الناس :أنا إنسانة تحن وتضجر .. تفرح وتتألم .. تحب وتكره ..
أنا إنسانة لها أحلامها البيضاء وأمانيها الصادقة ...
روحي مشققة كتربة فاتها الغيث عصوراً .. روحي يابسة كأرض أكلتها الحرائق .. روحي مشتاقة لهطول مقدّس يغسل أدرانها ويعيد بريقها وينسف أوجاعها المُداسة .. بحاجة أنا ليد مخلصة تمتد نحوي وتنشلني من سرداب الضياع والمهانة ثم تنزع عن قلبي قميص الكآبة ..
وحيدة أنا كالموت ومتعبة كالأنين ... أرتدي ثيابي بسرعة وأسرع نحو الباب .. أفتحه بقوة لم أعهدها من قبل .. أخرج من بيتي الحزين لأنزلق في زقاق الشارع المظلم المخيف .. أسير فوق الرصيف وحيدة مذعورة .. نسمات الهواء البارد تطهر قلبي وروحي .. وتطرد سحابة الأسى عني وعن دنياي وتضخني بعزيمة لا مثيل فأشعر بنشوة الولادة تجري من جديد في شراييني وبفرح مطلق أصرخ :
لا لن أموت .. سأبقى أبحث عن النور لأتواصل مع منابعه المقدسة وأزحف بين أسلاكه المنيرة..
لا لن أموت .. قبل أن أرسم تلك اللوحة السامية التي لطالما حلمت بخلقها وإبداعها ...
وسأظل أبحث .. في وجوه الناس عن بعض الرجال .. عن عصبة يقفون في الأزمات كالجبال ...
عدت من معركتي الخاسرة .. متعبة منهكة .. وما وجدت ملجأ إلا أن أذهب لأتوضأ فأغسل أدران نفسي .. وأصلي لأسرح في ملكوت ربي وأناديه .........................
يا رب إن ضاقت قلوب الناس عن ما فيَّ من خير فعفوك لا يضيق ...!!!
علا عبد الحميد زيدان .
|