كتابٍ من صنعة متخصصٍ في علوم العربية عاش حياته لأجلها تأليفاً وتدريساً، ويدرك القارئ لهذا الكتاب تمكن المؤلف رحمه الله في هذا المجال وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج مبسط واضح جامع. ::: المزيد
اليوم فقط كانت المكافأة... مكافأة وأي مكافأة.... لحظات لا تتعدى بضع ثوان... تضاءل أمامها تعب الأيام وسهر الليالي... لحظات خالدة حفرتها أنامل هذا اليوم في تاريخ حياتي فجعلتها أثلاماً عميقة لا تزول إلا بزوالي...جملة طاهرة بطهارة ماء السماء انسابت كلماتها من بين شفتيه الصغيرتين فرأيت معهما نوراً يتلألأ خرج من فمه ليشق طريقه إلى قلبي دون استئذان حتى أضاء ببهائه وإشراقته أعماقي، وامتد ضياؤه ليتغلغل في كل خلية في جسدي... امتد بريقه لتقتبس منه كل قطرة دم تسير في عروقي أملاً وقوة..... لتتابع سيرها في أرجاء جسدي وهي تردد مع نبضات قلبي: الحمد لله الحمد لله... أجل الحمد لك يا ألله.... بضع كلمات لكنها ليست ككل الكلمات... بضع ثوان ولكنها ليست ككل الأزمنة والأوقات.. لقد كانت لحظة اختصرت خمساً وثلاثين سنة عشتها أترقب البقاء والاستمرار أترقب أن أترك في هذه الدنيا بصمة يستمر نورها ويتنامى مع الأيام عساه ينير في هذه الدنيا حفرة تكون مثابة لي وأمناً.
كلمات امتدت جذورها في أعماق كياني لتقويني لتثبتني لتجعلني شجرة أصلها ثابت ممتد يلتحم بجذور هذه الكلمات... أطهر كلمات وأبقى كلمات... وكيف لا وهي من كلام خالق الأرض والسموات لتلتحم بها ثم تمتد وتمتد لتطاول عنان السماء هناك حيث لا معنى للألم والحزن لا معنى للتعب والقلق لا معنى للسهر والأرق... لا معنى لكل ضيق عانيته خلال سبع سنوات خلت...
اليوم فقط كنت على موعد مع حدث تخيلته ولكن لم أتخيل رهبته وروعته تخيلته عندما بقيت ثلاث سنوات أحلم بقدومه إلى هذه الدنيا لينير حياتي وبعدها سبع سنوات وأنا أكابد تعب الأيام والليالي...
لقد وقف اليوم بقامته الصغيرة وقطرات ماء الوضوء تقطر من ذقنه ليعلن شهادة التوحيد وينوي صلاة أول فرض بعد أن أتم عامه السابع، وقبل أن يسلم صمت لبرهة ثم نطق بالكلمات الخالدة التي أضاءت من حولي الدنيا بأسرها فملأت الأفق نوراً:
"رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"
عندها ولأول مرة ابتسمت ابتسامة لم أذق طعمها من قبل... وقلت في نفسي: