وجهة نظر
>>
خواطر شبابية :
ذكر الله تعالى وحسن الصلة به 2
قال تعالى {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة....} [البقرة: 74].
وصف الله تعالى قلوب الغافلين عن ذكره، بالصلابة والغلطة، بسبب ما تراكم عليها من ظلمات المعاصي والذنوب، فصارت لا تتأثر بالعظات والمعجزات الإلهية التي تلين لها الصخور الصلدة.
إن قلوب الغافلين أكثر عمقاً من الحجارة، بل الحجارة خير منها، إذ أن بعضها مكامن للماء، تتفجر منها الينابيع وتحمل الخير للجميع، وبعضها الآخر يلين ويتعشق من خشية الله عز وجل، بينما قلوب هؤلاء صماء قاسية، لا يرجى منها خير لنفسها أو للآخرين.
الإنسان مخلوق بديع التكوين، معقد التركيب، يتألف من عناصر مختلفة متباينة لكنها متكاملة منسجمة، تترك بصماتها الواضحة على سلوكه وانفعالاته. فهو جسد مادي ينتمي إلى الأرض، وروح تنتمي إلى ملكوت السموات وعالم الغيب. ومن جهة أخرى فهو يخضع لقوى بشد، بعضها إلى الأرض ـ منشأ جسده ـ وبعضها الآخر إلى الأعالي، حيث مصدر روحه، وفي خضم ذلك تدور صراعات عنيفة في داخله، يديرها ويتحكم فيها طرفان هم العقل والقلب من جهة، والنفس والأهواء من جهة أخرى، وإن نتيجة هذا الصراع هي التي تحدد الملامح الخاصة التي تميز شخصية كل إنسان.
إن مخلوقات حضرة الله هي مصدر خير لهذا الكون، وإن تفاوت مقداره بينها. وجرى بالإنسان أن يكون مصدراً للخير على الدوام، لأنه مؤهل بما لم يؤهل به غيره من سائر المخلوقات، فهو أكرم الخلق على الله عز وجل. لذلك نجد بين الناس من هو منيب إلى الله تعالى، داع إلى صراطه المستقيم، يضم بين جوارحه نفساً لوامة تواقة إلى لقاء الله عز وجل، وقلباً نابضاً بذكره يغيض بالخير والعطاء على من حوله، فتحيا قلوب الناس به. ومنهم أيضاً من لا يطيق الذنوب ويكثر من الاستغفار، فهو في عداد الغائبين، تفيض عيناه بالدمع عند تذكر ضعفه أمام قوة الخالق العظيم، والتفكر في ذنبه أمام سعة رحمته تعالى وغفرانه.
ومنهم من لا يتحرك قلبه بالإيمان، ولا تستكين جوارحه لعظمة الله وجبروته، إلا إذا واجهته المحن وضاقت به السبل، عندها تنطلق صيحة الرجاء من أعماقه لحضرة الله طالبة النجاة، لأنه إنسان غافل يحتاج إلى هزة عميقة عنيفة، توقظ مشاعره وتفتح بصيرته، ليستفيق ويعود إلى سبل الرشاد.
فمعيار الخير في ذات الإنسان إذن، هو مقدار الحب والإيمان، وذكر الله المعطي الذي يعمر قلبه، وقد شبهت الآية الكريمة القلب بالنبع، لأنهما كلاهما يشتركان بخاصية التدفق ونشر الحياة. فإذا تدفق القلب بالحب والإيمان عمر ما حوله بالنور والخير، وإذا تدفق النبع بالمياه العذبة حول الصحارى القاحلة إلى واحات خضراء. وإن جفاف القلب كذلك يشبه جفاف النبع، فمن جف قلب فقد نضب من ماء محبة الله تعالى، وماء محبة الخلق، فعاش بجسد حي وقلب ميت، فلا ينفع نفسه ولا ينفع غيره، بل هو الأذى بعينه لنفسه وللآخرين من حوله.
غازي صبحي آق بيق
أبو غانم |