كتابٍ من صنعة متخصصٍ في علوم العربية عاش حياته لأجلها تأليفاً وتدريساً، ويدرك القارئ لهذا الكتاب تمكن المؤلف رحمه الله في هذا المجال وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج مبسط واضح جامع. ::: المزيد
بُشرى من الله تعالى في عليائه للمؤمنين المجاهدين من خلقه وعياله، بدأت منذ بداية بزوغ أوَّل شمس للإسلام، فكانت الركيزة الأولى لسيد المجاهدين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الأبرار، وامتدت لتشمل التَّابعين والمقلدين بإحسان إلى يوم الدين.
وإذا قرأنا السيرة المحمدية قراءة متأنيَّة مُستفيضة سنجد أنَّ الله جل جلاله نصر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام طيلة حياته في كل معركة وغزوة قادها، حتى يعلمنا أن النصر والفوز بالنهاية هو للمؤمنين الصابرين الذين انتهجوا طريق الله عزَّ وجلَّ، وعملوا بكتابه فطبَّقوه وجعلوه الحكم في حلِّهم وترحالهم، وتوَّجوا رؤوسهم بسنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم التي جاءت مكمِّلة بإذن الله لدستور المسلمين، الذي قال فيه ربنا تبارك وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:29].
فحيزت لهم الدنيا بما فيها حتى الجبال اهتزَّت من تحت أرجلهم جزعاً وهيبة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أثبت أحد فإن عليك نبي وصديق وشهيدين)).
فكانت الجامعة المحمديَّة النبويَّة الشريفة أوَّلَ جامعة أشرق منها نور الصَّباح للعالمين فكانت لا تقبل في صفوفها إلا العباقرة والنَّابغين المؤمنين حقاً، الذين تعلَّموا منها كلمة التوحيد وعقيدة التَّشريع وأركان إسلامهم وحُبَّ نبيهم، الذي ذكره ربُّ العالمين بقوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] فخرَّجت تلك الجامعة رجالاً سادُوا العالم كلَّه، ووصلوا إلى أقاصي الدُّنيا شرقاً وغرباً، علَّموا الأمم عرباً وعجماً فرساً وروماناً أنَّهم تلامذةُ محمد صلى الله عليه وسلم، طلبة نجباء طبَّقوا شرع الله في أرضه ففتحوا القلوب والعقول قبل المدن والحصون.
لذا كان الواحد منهم أمَّة في رجل تراه في المعركة يزأر كالأسد يضرب بسيف الله، ويستشهد في سبيله، يلبي النِّداء أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإذا ما انتهت المعركة وعاد إلى داره تراهُ رحيماً مع أهله خلوقاً مع أولاده ضاحكاً متبسِّماً كالطِّفل الصَّغير.
وامتد نسل هؤلاء الثُلَّة من الصَّالحين عبر الأزمنة لنرى منهم الكثير الكثير، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح ومصعب بن عمير وطارق بن زياد، وغيرهم كثير من الأسماء اللامعة والنُّجوم السَّاطعة، حتى وصلنا في يومنا هذا إلى فئة مؤمنة ظاهرين على الحق، لا يرضون بالذُّل والهوان ولا يرضخون له، يرفعون كلمة التَّوحيد عالياً حياتهم هي شرفهم وكرامتهم فوق كل شيء، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].
ومن وراءهم شعب عظيم جبَّار، تنحني له الهامات والجباه يعلِّمون العالم بأسره أنَّنا قوم لا نهاب الموت بل نُقبِل عليه، ونبذل لأجله الغالي والنَّفيس، تراهم عبر شاشات التَّلفزة مع كل الأهوال التي مروا وما زالوا يمرون بها من مآسي وكُرب عظيمة، من قطعٍ للماء والكهرباء والوقود والدواء، حتى الأنفاسُ تحصى عليهم ومع كل هذا راسخون في مكانهم رافعون رؤوسهم عالياً شامخون كالعُقاب في كبد السَّماء، كأنهم بنيان مرصوص مجتمعون على قلب رجل واحد، لا للاستسلام نعم للعزة والكبرياء.
فخرج منهم مقاومة أشاوس أبطال لا يهابون الموت، مجاهدين على ثغر من ثغور الإسلام لا يجزعون ولا يتراجعون ولهم النصر بإذن الله تعالى.
أسلحتهم من صنع أيديهم ولكنهم عندما يرمون يستشعرون عند كل رمية قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ [لأنفال:17] فقذيفة لا تعجب بعض الخونة والأذناب من بعض الحكام العرب، تدمِّرُ الدَّبابة الأحدث في العالم ((الميركافا)) بإذن خالقها وموجهها.
فاصبروا وصابروا فإن الله معكم كما وعدكم في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].
فأنا من هنا من دمشق الشِّام أكتب لكم هذه الكلمات التي تتقاطر دماً وحُزناً على دماءِ جرحاكم الطاهرة، طالباً منكم الدعاء ومن شعبكم الأبيُّ المناضل في غزَّة الصمود، لنا بالثَّبات على الحقِّ والاستيقاظ من رُقادنا الطَّويل الذي أكل الزَّمان عليه وشرب، كما ندعو لكم في حلِّنا وتَرحالنا، في نومنا ويقظتنا، في أكلنا وشربنا، بالفرج القريب العاجل بإذن الله، واعلموا يا أهل العزَّة ومجاهديها أنَّنا معكم، قلوبنا معكم، أرواحنا تقاتل معكم، فألمكم ألمنا وأنينكم أنيننا، فنحن هنا في الشَّام حاكم ورعية نلهج بالدُّعاء لكم ليلَ نهار، وأبشروا يا أهلنا الصَّامدين فالنصر آت آت بإذن الله، وليخسأ من خذلكم من الأذناب وأخوات القردة والخنازير فهم الذنب وأنتم الرؤوس، فإن تخلى العالم عنكم فإن الله معكم، وهو ناصركم نصراً عزيزاً مؤزَّراً بإذنه تعالى، وأخيراً وليس آخراً أرجو منكم أن تقبلوا هذه الكلمات التي ما إذا قيست بإيمانكم فإنها لا تساوي جناح بعوضة، فلكم مني ومن أهلكم هنا كل الدُّعاء بالنَّصر والرِّفعة والسموّ.
وأتوجَّه بالتَّحيةِ أوَّلاً إلى سيادة الرئيس بشار الأسد الذي أتمنى من الله أن يثبِّته على الحقِّ المبين، وأن يؤيده ببطانة صالحة تنصح بالخير وتحثُّ عليه، ثمَّ إلى الأستاذ المجاهد خالد مشعل وأخيه الشيخ إسماعيل هنيَّة وكل مقاوم مجاهد سمعنا به أو لم نسمع، وإلى جميع أفراد الفصائل الفلسطينية المجاهدة ـ حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي ـ وجميع الفصائل البطلة الشريفة التي نعرفها والتي لا نعرفها.
لشهداءنا الجِنان والخلود وجنَّات وعيون، أحياء عند ربهم يرزقون.
لجرحانا الرِّفعة والسموّ سائلاً المولى تبارك وتعالى أن يداويكم بدواء من عنده يُشفي به آلامكم وأحزانكم، وكما بشَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حتى الشَّوكة يُشاكها المؤمن يكفِّر الله بها من خطاياه)) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
لمجاهدينا أقبِّل نِعالكم، وأشدُّ على أيديكم، وارموا بقوَّة الله فأنتم سيوف الله المسلولة بالحقِّ على رقابِ من شذُّوا وبغوا وتجبَّروا، ولكم النَّصر المؤزَّر بإذنه تعالى.