وجهة نظر
>>
خواطر شبابية :
في زمن تقصف فيه الكلمات
بقلم: الدكتور محمد الديري
بسم الله الرحمن الرحيم
أصبحت عبارات الشجب والتنديد والاستنكار ممجوجة وممقوتة، ولا تعبر حتى عن الحدّ الأدنى المطلوب اتخاذه لرفع الحصار والنار عن إخواننا وأخواتنا وأمهاتنا وبناتنا وأبنائنا ومساجدنا في غزة .
فهذا هو الأسبوع الثاني من العدوان الوحشي الهمجي الذي يمارسه الكيان الصهيوني المجرم على قطاع غزة، وكل هذه المجازر تحدث على مرأى ومسمع من العالم، وفي ظل تواطؤ دولي ومساندة لا حدود لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، التي يدّعي زعماؤها أنهم للحرية حارسون وللديمقراطية ناشرون .
إن شعوب العالم اليوم في كل العواصم والمدن، في الساحات والطرقات وأمام السفارات تفترش الأرض وتلتحف السماء، منددّة بجرائم العدو الصهيوني، ورافضة رفضا ً مطلقا ً لهذا الذي يتعرض له شعب غزة المحاصر، وتدعو قادتها لاتخاذ التدابير الصحيحة والعملية والفعالة والواقعية لقمع آلة الحرب والعدوان الصهيونية، ولكن معظم القادة في واد والشعوب في واد آخر.
ومن المؤسف والمؤلم جدا ً أن بعض الأنظمة العربية المتخاذلة حتى هذه اللحظة وبعد كل هذه الدماء الطاهرة التي أريقت على تراب الوطن الحبيب لم تستجب لأدنى أدنى ما يمكنها تحقيقه للشعب الفلسطيني في غزة، رغم أن هذا المطلوب منها لا يؤثر على مصالحها ولا يهدد أمنها المحلي ولا الإقليمي، فالشعوب واعية ولا تحمّل الأنظمة المعتلّة أصلاً فوق ما تطيق، فهي لم تطالبها بفتح جبهات، ولا بإرسال جيوش، ولا بقصف المعتدي بالصواريخ، بل بطرد السفراء وفتح المعابر، وهي إن عجزت عن طرد السفراء فلن تعدم حيلة في فتح المعابر، وقد قال بعض الظرفاء: عذراً لا نريد منكم فتح القدس بل فتح المعبر.
ولكن ومع كل هذه المواقف الموبوءة، والظروف المحبطة، والأقوال المتخاذلة المثيرة للاشمئزاز، فإننا نتعجَّب ونتهيَّب ونُكبر هذه المقاومة الغزاوية الأسطورية في مواجهة الجوع والحصار والبرد والنار والقذائف والمدافع .
عجيب لهذا الشعب كم يصبر ! عجيب لهذا الطفل كم يتحمل ! عظيمة تلك الأمهات اللواتي يكفكفن دموعهن وهنَّ يرين أولادهن شهداء ثم لا يستسلمن.
مثل تلك الأمهات لتذكرنا والله بالخنساء، فصبراً آل غزة إن موعدكم النصر والشهادة، أما الشهادة فقد نالها من اصطفاهم الله لها، وأما النصر فقادم إن شاء الله تعالى، ومن المناسب أن نذكِّر ببعض العوامل التي ساهمت في نجاح هذه المقاومة وصمودها.
1ـ قضية غزة خاصة وفلسطين عامة هي من أعدل القضايا الإنسانية، إنها قضية شعب خذلته قرارات الشرعية الدولية لأنه رفض الانصياع للاحتلال وأبى إلا أن يقاوم.
2ـ قطاع غزة خلا من المنافقين والعملاء والمرجفين والمثبِّطين، وكل من فيه الآن هم من أحفاد القائد صلاح الدين.
3ـ أبناء القطاع متماسكون متعاونون، وهم يد واحدة في كنف حكومة شرعية وصلت إلى السلطة بأنزه انتخابات شهد لها المراقبون الدوليون، وشتان بين صناديق الاقتراع التي أنتجت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وتلك التي طرحت بمخاض عسير الرئيس "بوش" وما تسبب فيه للعالم من خراب ودمار.
4ـ أبناء غزة مؤمنون موحِّدون، أصحاب عقيدة سليمة وسلوك مستقيم، وهم رهبان في الليل فرسان في النهار، يرابطون الآن في الثغور وأعينهم تراقب تحركات العدو، وألسنتهم تشتغل بذكر الله والتكبير، وهم الآن يقومون عنا بواجب الدفاع عن الدين والوطن والحق والكرامة والمقدسات.
5ـ أهل غزة كلهم مجمعون على نهج المقاومة بعد أن تبين بالدليل القاطع عقمُ كل الطرق السلمية والاستسلامية في تحصيل الحد الأدنى للكرامة الإنسانية لشعب فلسطين.
وثمة حقائق أخرى أنتجت هذا الصمود، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن ما هو الدور الذي ينبغي على الشعوب أن تقوم به إزاء ما يحدث ؟
1ـ التبرع وبسخاء والآن دون تريث ودون تردد، وليكن الجميع على ثقة بأن المساعدات تصل إلى القطاع بإذن الله .
وهذا التبرع بحمد الله متاح وبموجب إيصالات رسمية، وهو جهاد بالمال، ففي الحديث الشريف: (من جهز غازياً فقد غزا)، وقال الحسن البصري رحمه الله: إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوماً من الدهر بسيف.
2ـ الاستمرار بكافة أشكال الاحتجاج بالتظاهر، والنزول إلى الشوارع وملء الساحات، وحمل اللافتات المترجمة لأكثر اللغات الحية لفضح جرائم العدوان الصهيوني ودحض كذبه وافتراءاته.
3ـ توظيف الإعلام العربي والإسلامي لفضح المؤامرات الصهيونية وبيان جرائمها وكذب ادعاءاتها ومبرراتها، إذ من المعلوم أن الإعلام في العصر الحديث من أهم الأسلحة في المعركة، ولا يقل تأثير الأقلام الصادقة عن تأثير سواعد المجاهدين المقاومين المدافعين عن تراب الوطن.
4ـ الدعاء لإخواننا بالنصر والتأييد في كل الأوقات ليلاً ونهاراً وخصوصاً عقب الصلوات.
ونسأل الله النصر والعزة والقبول |