من لنا بمثل شهرنا يوقظ فينا ما غفا ويستحث ما ركد فيا أيها الراحل العزيز تمهل .. فلا تزال همهمات الوداع تئن في قلوبنا .. تقول :
يا أنس المصلين , ترى هل سنبقى على هذه الصلة الحميمة ببيوت الله بعدك ؟
يا كهف المساكين , وقد وجدوا فيك النفوس سمحة معطية ترى هل ستستمر تلك النفوس في نداها وجودها ؟
يا مدرسة النابهين , ترى هل ستبقى دروسك المثلى نابضة في حياتهم حتى تعود إليهم بإذن الله ؟
يا روح العباد , ومزرعة الطائعين وروضة التائبين وجنة المتقين .. ها أنت ذا تستدبرنا وتمضي , فنعود بعدك نراجع حساباتنا ..فمن الناس من لم يذق لذة صيامك وإن امتنع عن المفطرات , يبيت على المحرمات المخزيات , وينام عن الواجبات الصالحات فرغم أنفه إن رحلت ولم يغفر له ..
رمضان رُب فم تمنع عن شراب أو طعام
ظن الصيام عن الغذاء هو الحقيقة في الصيام
وهو على الأعراض ينهشها ويقطع كالحمام
يا ليته إذ صام صام عن النمائم والحرام
فلمثل هذا أن يسكب على نفسه دموع الحسرات وأن يعزي أكثر من لو أن حبيباً له مات .
ومن الناس من كنت له واحة خضراء , زرع فجنى وأخذ واستزاد تعلم من صومه أن النفس تصبر عما اعتادته إذا أرادت , وأن الجسد الذي صبر عن الشهوة المباحة في زمن محدود لديه الاستطاعة أن يصبر عن الشهوة المحرمة في كل وقت , وتعلم أن روح الصيام هي التقوى التي تعيد إلى الإنسان إنسانيته التي يفتقدها أحيانا إذا أطلت رغبة أو رهبة فعزم على أن يعيشك في سائر أيامه :
إذا ما المرء صام عن الدنايا *** فكل شهوره شهر الصيام
هكذا ينبغي أن يكون المسلم فكل خير تلقاه من شهر الصيام يجب أن يحظى منه بالديمومة والاستمرار وكل عادة سيئة أقلع عنها يجب ألا يعود إليها مروءة وشيمة وعزيمة وقبل كل ذلك ديناً وتقوى .
فإلى اللقاء يا شهر الصوم .. إلى اللقاء إن شاء الله في عام مقبل
لئن فنيت أيامك الغر بغتة *** فما الحزن من قلبي عليك بفان