واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الروحية في الإسلام
التوبة وسعة المغفرة الإلهية:7
قال الله تعالى :(ولو يعجل الله للناس الشَّر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون)"سورة يونس آية11"
الله تعالى رؤوف بعباده ,رحيم بهم ,لا يستجيب دعاءهم بالشِّر على أنفسهم أو أولادهم ,أو أموالهم في حال الغضب ؛ولو فعل لقضوا نحبهم و هلكوا.
وهناك صور تتكرر في القرآن الكريم ,تكشف خفايا النفس الإنسانية ,التي لم تستكمل إيمانها الخالص بالله تعالى .فبعض الناس يريدون أن يمسكوا بزمام القضاء والقدر فيجعلوه يأتمر بأمرهم,ويغدق عليهم الخير متى أرادوا,وينزِّل بالشِّر على أعدائهم متى شاؤوا ,وكأنهم بذلك يتألَّهون على حضرة الله و يجعلون أنفسهم أصحاب القرار من دونه!!.
ولكنهم بهذا التفكير المريض يتخبطون في دياجير الضلال والطغيان , مما يجعلهم متسرعين في اتخاذ القرارات ,فهم يستعجلون في طلب الخير ,كما يستعجلون في طلب دفع الشر.
وقد فطر الإنسان على العجلة كما بين القرآن الكريم ذلك حين قال تعالى:(خلق الإنسان من عجل ...)"الأنبياء آية 37"
وما استعجاله الخير إلا لشدَّة حرصه على المنافع ,أمَّا استعجاله الضر فلقلة صبره على المحن والخطوب ,وكثرة الانفعالات التي تعتمل في صدره ,كالغضب أو الجهل أو العناد أو غير ذلك.فقد يدعو الإنسان على نفسه أو ماله أو ولده حين الغضب أو اليأس ,ولكن لله تعالى قوانينه التي تغاير انفعالات البشر ,فهو الحليم المتجاوز عن السيئات ,وهو الربُّ الرحيم الذي يعرف أين تكمن مصلحة عباده ,ولو أنّه استجاب لدعائهم لأهلكهم ,لذلك يقول صلى الله عليه وسلم :(لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم ,لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم). رواه مسلم في صحيحه.
والتعجيل في طلب الشر من قبل الإنسان لم يقتصر على شؤونه الخاصة بل تعدَّاها إلى علاقته بالأنبياء والرسل الكرام ,فما إن يدعو رسول قومه إلى الإيمان بالله تعالى ويحذرهم من عاقبة تكذيبه ,حتى يسخروا منه ويطلبوا تعجيل العقوبة التي يتوعدهم بها ,وقد سجَّل القرآن الكريم ذلك فقال تعالى:(ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين )"الملك آية 25",وقال أيضاً :(وإذا قالوا اللهمَّ إن كان هذا هو الحقُّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) "الأنفال آية 32".
فهؤلاء لا يرجون لقاء الله سبحانه وتعالى ,ولا يخافون وعيده ,لذلك فإنه تعالى يمهلهم ويتركهم يخوضون ويلعبون ,وقد يفترون بحكم الله ,ويحسبونه عاجزاً عن ردع مخالفاتهم ,ولكن إمهال حضرة الله إما أن يكون استدراجاً لهم ,أو رأفة بهم عسى أن يتنبهوا فينيبوا إلى رحمن ويتوبوا ,أو يخرج من أصلابهم من يوحد الله عزَّ وجل .
والحمد لله ربِّ العالمين
غازي صبحي آق بيق/أبو غانم
|