بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق اجتماعية إسلامية
التحيَّة
قال الله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله على كل شيء حسيباً} [النساء: 86].
إن الإسلام الدين الحنيف يدخل الاطمئنان والسرور إلى أعماق النفس البشرية بأيسر الوسائل، وأقل التكاليف منطلقاً من الحث على التبسم في وجوه الآخرين، وتحيتهم بملء الودِّ والمحبة، وفي هذه الآية الكريمة لمسات ودِّية جديرة بالوقوف أمامها، فهي تحدِّد البسمة التي يحرص المنهج الإسلامي على طبع المجتمع المسلم بها، ألا وهي الترغيب بكل وسيلةٍ من شأنها أن توثِّق عرى الأخوَّة، وتعزز علاقات المودَّة بين أفراد المجتمع، وإن إفشاء السَّلام والتحيَّة في مقدمة تلك الوسائل التي تتحلَّى ثمراتها في تصفية القلوب، وتوسيع دائرة التعارف بين الناس، وتوثيق الصلة بين عباد الله تعالى، وهي ظاهرة يدركها كلُّ من يمارسها على صعيد المجتمع ويتدبَّر نتائجها الإنسانية العجيبة.
وقد اختار تعالى للمؤمنين أجمل معاني التحية ليتبادلوها فيما بينهم، وحعلها كلمة السلام، فمن سمائه الحسنى ((السَّلام))، وقد سمى الجنَّة ((دار السَّلام))، وتحية المؤمنين والملائكة فيها السلام، قال تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام} [يونس: 10] والعالم اليوم بأجمعه يسعى جاهداً لنشر السلام،فما أجملها من تحيَّة كريمة أهداها دين الإسلام للبشرية.
وللتحية مرتبتان أدناهما ردُّها بمثلها، وأعلاهما الردُّ بأحسن منها، والمجيب يخيَّرُ بينهما، ومن السنَّة أن يسلِّم الراكب على الماشي، والقائم على القاعد، والفرد على الجماعة، ويسلم الرجل على أهل بيته حين يدخله، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك)) رواه الترمذي، وقال قتادة: ((إذا دخلت بيتك فسلِّم على أهلك، فهم أحقُّ من سلَّمت عليهم)) فمن دخل ليس فيه أحد فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن الملائكة تردُّ عليهم السَّلام.
والسَّلام سنَّةٌ عند الدخول على قوم ما، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} [النور: 27]، وكذلك يُسنُّ عند المغادرة والرحيل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلِّم فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم فليست الأولى بأحق من الأخرى فمن فعل ذلك شاركهم في كلِّ خير فعلوه بعده)) رواه أبو داود والترمذي.
ومن أدب السلام الجهر به؛ لأنه أدعى لإدخال السرور في القلب، ويجوز أن يكون السَّلام على النساء الأجنبيات بالإشارة، قالت أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: ((مرَّ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد يوماً، وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم)) رواه الترمذي وأبو داود.
والسنَّة في السَّلام بين الرجال المصافحة لما لها من فضل عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن ينصرفا)) رواه أبو داود والترمذي.
والسلام أمانة يجب تأديتها لأصحابها فمن قال لآخر: أقرئ فلاناً عني السَّلام، وجب عليه أن يفعل، ويجب ردُّ السَّلام على الغائب، وأن يشرك المبلِّغ كقوله: ((عليك وعليه السلام)) فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ((إن أبي يقرئك السلام فقال: عليك وعلى أبيك السلام)) رواه أبوداود. والأكمل أن نبدأ نحن بالتحية لمن نعرف ولمن لا نعرف، وهذا إفشاء للسَّلام ونشرٌ لأسباب المحبَّة على مستوى الأفراد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أوَ لا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم،أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم.
أما على مستوى الدول والشعوب فالأجدر بها أن يكون بينها تحيَّة وتعاون مثمر بنَّاء، لما فيه من تحقيق لمصلحة الإنسانية في الإعمار والازدهار، وخير شعوب الأرض هو السبَّاق إلى إنشاء جسور السلام والتفاهم، ونشر المودَّة والمحبَّة والإخاء، والله تعالى رقيب شهيد.
والحمد لله رب العالمين
كتبه: غازي صبحي آق بيق