واحة الفكر
والثقافة
>>
دراسات قرآنية :
تابع التربية الأخلاقية في الإسلام:
الصبر
قال الله تعالى ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) [البقرة/155-157]
وقال أيضا ً ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) [آل عمران/200]
وقال أيضاً (( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ )) [الطور/48، 49]
إن الحياة سلسلة من التجارب و الشدائد يخوضها الإنسان , و الهدف منها اجتيازه للامتحان الإلهي الذي تتحد فيه نتيجته بمقدار صبره وتجلده , و حسن تسليمه لله تعالى , وعمله على طاعته وإرضاءه .
والصبر هو الثمن الذي يدفعه المؤمن لينال به البشرى من الله تعالى بالرضا و الثواب .
ومن تخّلق بالصبر و حسن التسليم لله تعالى مؤمناً بأن الأقدار كلها بيد حضرة الله تعالى , وإليه ترجع الأمور كلها , فهو ممن منَّ الله تعالى عليهم و جعلهم من القوم المهتدين ؛ اللّذين يملكون مفاتيح الخير للناس جميعاً , والذين يبنون ويعمرون ويتحولون إلى مشاعل من العلم والحكمة تضيء الطريق أمام البشرية جمعاء , فهؤلاء لهم من ربهم نعم الثواب وحسنت مرتفقا .
إن أحكام الله عز و جل وتعاليمه ترمي إلى إسعاد الجنس البشري , وقد يصعب على بعض الناس إدراك مقاصدها على الفور , ومن ثمّ تبنّيها وإتباعها , لذا يطلب الله تعالى من النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن يصبر على تبليغ الدعوة , وعلى ما يلاقيه من صد وعنت في سبيل إيصال مفهوم الشريعة إلى الناس , ويبشره بأنه في حفظ الله ورعايته .
وهذه العناية الربانية تشمل كل الدعاة المخلصين العاملين بجد و ثبات في مواجهة ما يلاقونه من صعوبات و عقبات ؛ فالجميع بحضرة الله تعالى مكلوؤن , وبأنظاره محفوفون .
وليس الإنسان و خاصة الداعي بمأمن من البلاء والآلام و المصائب التي قد تواجهه في رحلة الحياة , ولابد له أن يعاني منها وأن يصبر على أذاها , فالصبر هو صمام الأمان , لأنه يعني قوة الإرادة , وسعة الصدر والقدرة على التحمل ولهذا وصفه الرسول الكريم بأنه أعظم عطاء حيث قال صلى الله عليه و سلم : ( ما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر ) . رواه الخمسة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
وهو يساعد على ضبط كوابح النفس والأخذ بزمامها , فالمؤمن الصابر إذا حلَّ به حزن أو ألمت به نازلة , أحال نكبته إلى قوة , وجعل منها درسا ً ليفهم حقائق كانت خافية عليه , أو معاني غفل عن إدراكها , أو إرشادات قصَّر في إتباعها , ولهذا تراه دائما ً رابط الجأش , راسخ القدم مطمئناً , حسن َ الظن بربه , وهو مؤمن في قراره أن أيَّ تخاذل يقع فيه , سيكون ضرره أشد وأوقع من ضرر البلاء نفسه , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إنَّ عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط ) رواه الترمذي .
فالابتلاء تجربة تربوية من شأنها أن تبني شخصية المؤمن بناءً قوياً , ويُعدَّه إعداداً راقياً , وكلما كان عسيراً وشاقاً كلما تطلب مزيداً من الصبر و الثبات والتحمل , ليتمكن المؤمن من جني ثمرات الصبر الغالية , فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال :( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة , في نفسه وولده و ماله حتى يلقى الله تعالى و ما عليه من خطيئة ) رواه الترمذي .
فمن ثبت و تمسك بأهداب الصبر فأجره على الله تعالى , و رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( ما أصابتني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم : الأولى أنها لم تكن في ديني , و الثانية : أنها لم تكن أعظم مما كانت , والثالثة : أن الله تعالى يجازي عليها الجزاء الكبير .
ثم تلا قوله تعالى ( .... و بشر الصابرين .....)
والحمد لله ربِّ العالمين
غازي صبحي آق بيق /أبو غانم |