واحة الفكر والثقافة
>>
مقالات
دعوية :
تابع التربية الروحية في الإسلام
التوبة وسعة المغفرة الإلهية:5
قال الله تعالى:(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنَّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنّه هو الغفور الرحيم ) سورة الزمر آية 53-56
إنّها دعوة ربانية لجميع القوافل البشرية الهائمة في دروب الذنوب والمعاصي ,لكي يرجعوا تائبين إلى ربِّ كريم غفور رحيم ,فالله يغفر الذنوب جميعاً ,وهو أرحم الراحمين .
فليستدركوا منيبين مصلحين لما أفسدوا ,ويسلموا القيادة إليه ,فلا منقذ من العذاب ولا ناصر لهم إلا هو.
وينبغي على العباد أن يشدوا الهمم والعزائم لتطبيق التعاليم الإلهية بكل قوة ونشاط ,قبل أن يفوت الأوان ويحلَّ العذاب ,فتغرق المراكب فجأة وهم لا يشعرون.
أما من فاته قطار التوبة , وانقطع في صحارى الذنوب المعاصي,فليس له إلا الهوان والحسرات ,لأنَّه تهاون واشتط في اللا مبالاة ؛وسخر واستهزأ ,ومن ثّم فلا ينفع الندم.
إنَّ من أخطر الأسلحة التي يستخدمها الشيطان لإبعاد الخلائق عن الله سبحانه وتعالى ,هو سعيه لإيقاعهم في اليأس والقنوط من رحمته تعالى .فإذا اقترف العبد ذنباً ولم يدرك سعة رحمة ربِّه ,ولا يعرف السبيل للوصول إليها ,فإن الشيطان لا يزال يحوم حوله ليهوَّل له ما اقترف من إثم ,وليشعره بأنّه عبد خطّاء لا خير فيه ,ولا أمل يرتجى منه ينكفئ على نفسه مصاباً بالإحباط ,وهو يعاني أشد المعاناة ندماً على ما اقترفت يداه ,وحزناً لعدم تمكنه من التوبة ,أو عدم قبول توبته كما وسوس الشيطان له.
وتأتي رحمة رب العالمين , الرحمة المزجاة للخلائق كافة ,رحمة الرحمن الرحيم ,لتنشر ظلالها على الناس جميعاً,ليطمئنوا بأنّ الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً, وأنّه لا مكان لليأس في رحاب لله ,وبالتالي فلا داعي للتردي في مهاوي القنوط والبؤس.
إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل تائب عن المعصية , وإنها الدعوة إلى الله تعالى ,وإلى الثقة بعفوه .
إنه تعالى رحيم بعباده وهو يعلم ضعفهم وعجزهم ,ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه ,ويعلم أّن الشيطان يقعد لهم كل مرصد , ويتربّص بهم الدّوائر ويعلم أن الإنسان مخلوق ضعيف سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه بالله تعالى ,والعروة التي تشده إليه.
فالله سبحانه وتعالى عليم بكنه هذا المخلوق وتكوينه ؛ لذا يمدّ له يد العون ,ويوسع له في الرحمة,ولا يأخذه بمعصية حتى يهيئ له جميع الوسائل المتاحة ليصلح خطأه ,ويثبِّت خطاه على الصراط المستقيم :أخرج أحمد وأبو يعلى عن أبي بن مالك رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(والذي نفسي بيده ,لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ,ثم استغفرتم لغفر لكم ,والّذي نفس محمد بيده ,لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم )فليس بين العبد وربه حاجز مانع؛فالتوبة تخترق السموات السبع لتصل إلى رب العلمين فيمتنُّ بعفوه وغفرانه .
ومع ذلك فإن بعض المتحجِّرين لرحابة عفو الله و كرمه ,يدَّعون بأنّ الاستشهاد بهذه الآيات والأحاديث يشجِّع الناس على ارتكاب المزيد من الذنوب والآثام طمعاً بهذا العفو الإلهي .
والواقع إن إبقاء العبد في محيط حسن الظن بالله ,أفضل بكثير من إيقاعه في اليأس لأنّ حسن الظن بالله يورث الإقبال على التوبة الصادقة في أيّة لحظة ,بينما يغلق اليأس الباب في وجه العاصي , وكأنّه بذلك قد أصدر الحكم على نفسه بأنّ مصيره النار لا محالة ؛لذا أتى الأنبياء الكرام مبشرين لا منفرين.
والحمد لله رب العالمين
غازي صبحي آق بيق/أبو غانم
|