واحة الفكر والثقافة
>>
مقالات
دعوية :
تابع التَّربية الرُّوحية في الإسلام
التَّوبة و سعة المغفرة الإلهية 3
قال تعالى : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفورٌ رحيم * خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ..... ) التوبة 102- 106
يتفاوت تقييم النَّاس لبعض المفاهيم بحسب المنظار الذي ينظرون إليها من خلاله,وكذلك هو الأمر بالنِّسبة للمؤمن,فقد يتعرَّض قلبه لنسمات الإيمان فتتحرك كوامن الخير في نفسه,ويتجلى له العمل الصَّالح فيتلقَّفه ويتعهَّده,وهو مدرك بأنَّه يفعل ما فيه الخير والفائدة من العمل , وقد تأخذه الدُّنيا بمشاغلها ولهوها فتفوتَه تلك النَّسمات, فيتقاعس عن الخير أو يرتكب ذنبا دون أن يدرك أنَّه يسيء إلى نفسه أو إلى من حوله.
فقيامه بصالح العمل لا يعني أنَّه ملاك لا يخطئ , وارتكابه لمعصية ما ؛ لا يعني بأنَّه انحطَّ إلى درك الفسق والفجر والشَّر,بل إنَّ ذنبه يُثقل كاهله,وتضيق به نفسه , فيستغفر الله تعالى وكلَّه أمل بأنَّه يتوب عليه , يحدوه إلى ذلك أمله بعظيم مغفرة الله عزَّ وجل,فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم قال : (إنَّ الله تعالى لا يتعاظمه ذنبُ عبده أنْ يغفرهُ ).أخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح , ذلك أنَّ رحمة الله تعالى أوسع من أن يدركها عقل بشر ,فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنَّته أحد , ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرَّحمة ما قنط من رحمته أحد) أخرجه مسلم.
ومن عظيم فضله تعالى في قبوله توبة العبد المذنب , نسخ ذنبه ومحوه من كل السجلات التي تحفظ أعماله, فقد روى أنس رضي الله عنه عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا تاب العبد تاب الله عليه, وأنسى الحفظة ما كانوا كتبوا من مساوئ عمله, وأنسى جوارحه ما عملت من الخطايا, وأنسى مقامه من الأرض, وأنسى مقامه من السماء, ليجيء يوم القيامة وليس شيء من الخلق يشهد عليه بذلك) أخرجه ابن عساكر.
وبناء على ذلك فإن صدور أي زلة أو هفوة من المؤمن لا يقتضي إحباط سائر عمله, أو وضعه في قائمة الهالكين؛ فإنَّ لكل جواد كبوة, ولا بدّ من إعطاء المخطئين الفرصة لمعرفة أخطائهم وتبيُّنها,حتى يقروا بها, ويشعروا بالأسف والنَّدم على ما نجم عنها من أثار سلبية ,ومن ثمَّ يباشروا عملية الإصلاح والترميم من جديد .
وأول ما عني به الإسلام هو إصلاح أعماق النفس الإنسانية, فما على المخطئ إلأ أن يتوجه إلى خالقه وحده, ويعترف بين يديه بتقصيره, ويظهر الرغبة بإصلاح فعلته دونما حاجة إلى واسطة من البشر, بل إنَّ الله سبحانه وتعالى ستر عليه معصيته ويكره منه أن يفضح نفسه و الخطوة الأولى في طريق الإصلاح تتمثل في الإكثار من العبادات و النوافل .والخطوة الثانية فهي كثرة الإنفاق في سبيل الله , بوجوه البرِّ كافَّة لتمتين أواصر المحبَّة و التَّراحم في المجتمع الإنساني .
إنَّ المؤمن الذي يعمل ويخطئ خير من الذي لا يعمل ولا يخطئ .
وطالما أن هذا العمل سيكون مشهوداً من قبل حضرة الله و رسوله وسائر المؤمنين , فلابد أنّه سيكون عملاً محاطاً بالعناية والرعاية ,والرَّجاء والأمل.
عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ما اجتمع الرَّجاء والخوف في قلب امرئ مسلم عند الموت إلا أعطاه الله ما يرجو وصرف عنه ما يخاف) أخرجه التِّرمذي وابن ماجه والبيهقي في الشُّعب عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه.
وقال عليه الصلاة والسلام:(يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا). متفق عليه رواه أنس بن مالك رضي الله عنه.
والحمد لله رب العالمين
أبو غانم / غازي صبحي آق بيق |