واحة الفكر والثقافة
>>
مقالات
دعوية :
الاستعداد لتلقي الأنوار الرمضانية !!!
إن حكمة الله جل وعلا اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعةً للآخرة , وميداناً للتنافس , وكان من فضله عز وجل على عباده وكرمه أن يجزي على القليل كثيراً , ويضاعفَ الحساب , ويجعلَ لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة , فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات , وتقرَّب فيها إلى مولاه بما أمكنه من وظائف الطاعات , عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات , فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات .
ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلِّها شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن المجيد , ولذا كان حريًا بالمؤمن أن يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم , ويتفقه بشروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا الموسم الحافل لئلا يفوته الخير العظيم , ولا ينشغل بمفضول عن فاضل , ولا بفاضل عما هو أفضل منه.
أخي القارئ استحضر في قلبك الآن أحب الناس إليك , وقد غاب عنك أحد عشر شهراً , وهب أنك بُشِّرتَ بقدومه وعودته خلال أيام قلائل... كيف تكون فرحتك بقدومه , واستبشارك بقربه , وبشاشتك للقائه ؟
إن أول الآداب الشرعية بين يدي رمضان أن تتأهب لقدومه , وأن تكون النفس بقدومه مستبشرة, وأن تستشرف لنظره استشرافها لقدوم حبيب غائب من سفره , إذ أن التأهب لشهر رمضان والاستعداد لقدومه من تعظيم شعائر الله تبارك وتعالى القائل: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} (32) سورة الحج.
يفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان ويستبشرون , ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه , ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات , وزيادة الحسنات , وهجر السيئات , وأولئك يبشَّرون بقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس , وذلك لأن محبة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله عز وجل , قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (124) سورة التوبة , فترى المؤمنين متلهفين مشتاقين إلى رمضان ، تحن قلوبهم إلى صوم نهاره ، ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بين يدي مولاهم ، وتراهم يمهدون لاستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة في شعبان ، فتأتي أيام المغفرة ليَزْدادُوا فيها استعدادًا، وَلِيزْدادوا فيها عملًا، وليزدادوا بها قربًا من الله ، وليزدادوا بها اجتهادًا.
و سُئِلَ النبي عن صيام شعبان فقال: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)).
وروى البخاري أنَّ النبيَّ ( ((كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ)) ، وفي رواية: ((إِلَّا قَلِيلًا))
وكأنَّ "رَجب" و"رمضان" مِن الشُّهور التي يُعظِّمها المؤمنون، ثم يَغْفُلون عن "شعبان"، وهذه هي الحال التي نحن فيها؛ فما أن يأتي "شعبان" حتى يترك الناس الاجتهاد والطاعات ويقصرون فيها يقول القائل: ها "رمضان" قد أوشك، وإن شاء الله! في "رمضان" تُعَوِّض ذلك كله، وإنْ شاء الله! في "رمضان" يكون اجتهادك زائدًا ...، ويظل يفتح لك الشيطان باب التمني والأمل حتى تقعد عن العمل في "شعبان"، وحتى تتكاسل عنه.
وذلك ما تميل إليه النفس؛ لأنه كلما اقتربت تلك المواسم ضَعُفَت النَّفس عن العمل ؛ لأنها بظنها وتسويفها سَتُعَوِّض ذلك في "رمضان"، فإذا جاء "رمضان" على هذه النفوس الضعيفة، على هذا الإقبال الضعيف على الله تعالى لن يجدي "رمضان" شيئًا؛ أتاهم وهم خائبون، فانصرف عنهم وهم كذلك، فعادوا إلى الخيبة والخسارة التي نراها كل عام، إلا من رحم الله تعالى..
فَلْيِشُدّ أهل الإيمان إذًا على عزمهم، ولْيُوَثِّقُوا عهودهم، وليأخذوا حِذْرَهم، وليتيقظوا لفوات عمرهم؛ فالعمر يمر بأسرع مما نتخيل
ليتوكل المرء على الله إذا ؛ ويجعل له هدفًا يريد أن يصل إليه، وهو أن يُغفر له في "رمضان"، بإذن الله
و الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
منقول |