واحة الفكر والثقافة
>>
مقالات
دعوية :
التقوى
غازي صبحي آق بيق
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} [الحشر: 18-19].
التقوى من جملة ما تعني العفة عن المحارم والشهوات ومحاذرة ارتكاب ما يغضب الله سبحانه وتعالى، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وهي بالإجمال الالتزام بشرع الله تعالى طاعة ورهبة.
أو كما قيل: أن يجدك حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك.
إن الإنسان اللاهي الغافل عن الله تعالى ضائع، وفاقد لمقومات بناء الشخصية المؤمنة، وهو مفتقر للاستقرار النفسي، وبعيد عن أسس النجاح وفق ميزان الله عز وجل.
وعندما ينوي المرء السفر إلى بلد ما، فإن أوَّل ما يفكر فيه هو كيفية الحصول على العملة المتداولة في ذلك البلد، ومعرفة أسعارها، من أجل تيسير أموره وتمكينه من تحقيق قصده من هذا السفر.
ويلفت الله تعالى نظر عباده إلى اليوم الغريب، الذي تنطق فيه رحلتهم الأبدية، تلك الرحلة ذات الاتجاه الواحد، والتي لا عوده بعدها، إنها الرحلة التي يصل فيها المرء إلى مكان؛ العملة المتداولة فيه هي أعماله فقط، تلك الأعمال التي كان يقوم بها خلال مسيرة الحياة الجسدية... وفي هذه المرحلة يحق له أن يحمل من حقائب السفر ما شاء، فلا قيود على الوزن، لأن محتويات هذه الحقائب هي محصلة أعماله، وزاده التقوى.
التقوى التي تجعل القلب، وهو يقطع رحلة الحياة يقظاً، حساساً شاعراً بالله العظيم في كل حالة، خائفاً تحرجاً، خجلاً من أن يطلع الله تعالى عليه في حال يكرها؛ وعينه سبحانه على كل قلب، في كل لحظة، لا تغفل ولا تنام، فمتى يأمن ألا يراه؟
ويحذر الله عز وجل عباده من أن يكونوا كأولئك الذين نسوه فأنساهم أنفسهم، وهي حالة عجيبة، ولكنها حقيقية، فالذي ينسى الله سبحانه وتعالى يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى، وبلا هدف يرفعه عن السائمة التي ترعى، وفي هذا نسيان لإنسانيته.
وهذه الحقيقة تنشأ عنها حقيقة أخرى، هي نسيان هذا المخلوق لنفسه، فلا يدخر لها زاداً للحياة الأخروية الباقية، ولا ينظر فيما قدم لها للغد الغريب من رصيد.
وهذا كله يتطلب من المرء صحوة فكرية وروحية وهو في عالم المادة، حيث ينسى المرء نفسه في غمرة انشغاله بالدنيا لاهثاً وراءها، ومكثراً من تحصيل متاعها، ليعلم أن أعماله الخيرة والبناء تتحول إلى حسابه الجاري في عالم الروح، وتسجل له في رصيد الحسنات، وأن أعماله السيئة وذنوبه تكتب في رصيد السيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته فقد فاز الفوز العظيم ونجا من العذاب الأليم، وإلا فهو من النادمين، ولات حين مندم فلا ينفع الندم، وهو أخسر الخاسرين.
والحمد لله رب العالمين
|