واحة الفكر والثقافة
>>
مقالات
دعوية :
شرب الخمر
علامة من علامات الساعة الصغرى
أ.خالد القصير
عن أنس رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا )
قال الله تعالى: {يا أيُّها الَّذين آمنوا إنَّما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ من عملِ الشَّيطانِ فاجتنبوه لعلَّكم تُفلحون(90) إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أن يُوقِعَ بينَكُم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والميسرِ ويَصُدَّكم عن ذكرِ الله وعن الصَّلاةِ فهل أنتم منتهون(91)}
في رحاب الآيات:
لقد أحلَّ الله تعالى لعباده جميع الطـيِّبات من الرزق من مأكل ومشرب، إلا أنه جلَّ وعلا استثنى منها ما فيه ضرر للإنسان وأنزل فيه نصّاً خاصّاً، كما هو الحال بالنسبة للخمر والدم والميتة ولحم الخنزير. وقد حرَّم الله تعالى الخمر والميسر في هذه الآية الكريمة، وشدَّد على ذلك تشديداً بالغاً، لما فيهما من ضرر كبير وخطورة عظيمة تهدِّد الأمَّة والمجتمع وتقوِّض دعائم الحياة السليمة.
تعريف
أمَّا الخمر فهو كلُّ شراب مسكر سواء أكان من عصير العنب أم التمر أم التفاح أم غيره، وهذا مذهب جمهور المحدِّثين، قال صلى الله عليه وسلم : «كلُّ شراب أسكر فهو حرام» (أخرجه الستة). وعلَّة تحريمها أنها تُذهِب العقل وتنهك الصحَّة، وتضيِّع المال، ومتى ذهب العقل حلَّ الإجرام وكانت العربدة. وحَسْبُ السكران ضرراً أنه لا يفرِّق بين النافع والضارِّ، ولا يميِّز بين الجواهر والأقذار، لغياب عقله
الأضرار النفسية والجسمية والعقلية
1 - تثبيط وظيفة قشرة الدماغ وتعطيلها مع التشكُّلات الشبكية في أعلى الدماغ المتوسط وأُذينةِ المخيخ والجذع المخِّي والأعصاب القحفية والشوكية.
2 ـ التهاب المريء والمعدة الَّذي قد يؤدي إلى إصابتها بالتَّقرُّح.
3 ـ التهاب البنكرياس الحادِّ وتشمُّع الكبد.
4 ـ اعتلال العضلة القلبية وتسريع حوادث التصلُّب الشرياني.
5 ـ اضطرابات سوء الامتصاص والإصابة بمختلف أنواع فقر الدم.
6 ـ الإصابة بأمراض نفسية كثيرة كالهذيان الارتعاشي والتأخُّر العقلي.
وقد أثبت الطبُّ الحديث ضرر الخمرة الفادح، فقال أحد أطباء ألمانيا: [اقفلوا الحانات أضمَنْ لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات والمِصحَّات العقلية والسجون].
عقوبة شارب الخمر
من أجل ذلك كلِّه شدَّد الإسلام العقوبة على شارب الخمر، وأمر أن يُجْلَد ردعاً له وإنقاذاً لروحه؛ أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من شرب الخمرة فاجلدوه، قالها ثلاثاً، فإن شربها الرابعة فاقتلوه».وعن الإمام علي كرَّم الله وجهه قال: (إذا شرب الرجل سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة) (رواه الدارقطني). واجتناب الشيء لغة يعني الابتعاد عنه، والاجتناب للخمر لا يعني فقط الامتناع عن شربها؛ وإنما الابتعاد عن كلِّ ما يمتُّ لها بصلة، وعن كلِّ تعامل معها بأيِّ شكل كان، بدليل ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني جبريل فقال: يامحمَّد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها وساقيها ومسقيها» (أخرجه الحاكم وصححه البيهقي).
قال الله تعالى: {ياأيُّها الَّذين آمنوا إنَّما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ من عملِ الشَّيطانِ فاجتنبوه لعلَّكم تُفلحون(90) إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أن يُوقِعَ بينَكُم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والميسرِ ويَصُدَّكم عن ذكرِ الله وعن الصَّلاةِ فهل أنتم منتهون(91)}
التدرج في التحريم
على أن تحريم الخمر في الإسلام لم يأت دفعة واحدة، بل لقد جاء عبر مراحل وخطوات تمهيدية، لعلاج الأمراض الناجمة عنها، والمتغلغلة في حنايا النفوس وخلايا الجسد. وهذا من الحكمة الَّتي انتهجها الإسلام في معالجة الأمراض الاجتماعية، فقد سلك بالناس طريق التدرُّج في تشريع الأحكام، حتى تتهيَّأ لها النفوس، وتصبح قادرة على تطبيقها، بقناعة فكرية وقبول نفسي،
الخطوة الأولى
بدأ بتنفير الناس من الخمر بطريق غير مباشر، وذلك حين أنزل الله تعالى: {ومن ثمراتِ النَّخيلِ والأعنابِ تتَّخذونَ منه سَكَراً ورزقاً حَسناً..} (16 النحل آية 67) وهي تتضمَّن تلميحاً إلى ضرره مع وجود منافع اقتصادية للنخيل والأعناب، حيث ذكر أنهم اتخذوا من ثمراتها سَكَراً ورزقاً فوصف الرزق بأنه حسن وسكت عن السَّكَر لِيَفهمَ السامعَ أنه قبيح.
الخطوة الثانية
تحريك الوجدان الدِّيني في نفوس المسلمين، وتنفيرهم بشكل مباشر من الخمر؛ عن طريق الموازنة بين نفعها المادي الضئيل، وضررها الجسدي والروحي الكبير؛ بنزول الآية الكريمة: {يسألونكَ عن الخمرِ والميسرِ قلْ فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافِعُ للنَّاسِ وإثمُهُما أكبرُ من نفعِهِما..} (2 البقرة آية 219) وفي هذا إيحاء بأن تركهما هو الأَوْلى مادام الإثم أكبر من النفع، إذ أنه قلَّما يخلو شيء من نفع، ولكن الحِلَّ والحرمة ترتكزان على غلبة الضرر أو النفع، فما غلب نفعه حلَّ وما رجح ضرره حرم.
الخطوة الثالثة
التحريم الجزئي للخمر في أوقات الصلاة، لما لها من أثر سيء على العقل والتفكير، فهي تفقد شاربها القدرة على التركيز والتوجُّه أثناء إقامة فريضة الصلاة، فنزلت الآية الكريمة: {ياأيُّها الَّذين آمنوا لا تَقْربوا الصَّلاةَ وأنتم سُكارى حتَّى تعلموا ما تقولون..} (4 النساء آية 43) وفي هذا كسر لسلطان عادة الإدمان، بتدريب الجسم على ترك الخمر في أوقات معينة، تساعده في النهاية على تركها نهائياً. فكأنَّما حرَّم الخمر في هذا النصِّ سائر النهار، ولم يبق للمولعين بها إلا الليل من بعد صلاة العشاء، وفي هذا التضييق على شاربي الخمر، إعداد لهم وتأهيل، لاستقبال الحكم النهائي بالتحريم القطعي لها.
الخطوة الرابعة
ثم جاءت الخطوة الحاسمة، وهي التحريم القطعي للخمر، وفي جميع الأوقات، بعد أن تهيَّأت النفوس والأجساد لها؛ فصدر الأمر الجازم في قوله تعالى: {ياأيُّها الَّذين آمنوا إنَّما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ من عملِ الشَّيطانِ فاجتنبوهُ لعلَّكمْ تُفلحون}، وكان جواب المؤمنين هو السمع والطاعة. جاء في مسند أحمد وأبي داود والترمذي: أن عمر رضي الله عنه كان يدعو الله تعالى (اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً) فلما نزلت آية البقرة قرأها عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ظلَّ على دعائه، وكذلك لما نزلت آية النساء، فلما نزلت آية المائدة دُعي فقرئت عليه، فلما بلغ قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} قال: انتهينا، انتهينا. ونلاحظ في قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} استفهاماً خرج عن معناه إلى معنى الأمر، أي انتهوا؛ وهذا أسلوب للنهي بألطف الوجوه وأشدِّها تأثيراً في النفوس.
الحكمة من التدرج في التحريم
وفي تحريم الخمر على هذا الترتيب حكمة بالغة، ذلك أن القوم كانوا قد ألِفوا شرب الخمر حتى أصبحت جزءاً من حياتهم، فلو حُرِّمت دفعةً واحدة، ومنذ بداية عهدهم بالإسلام، لشقَّ ذلك عليهم تحت سلطان العادة، وربَّما لم يستجيبوا لهذا النهي. ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نشير إلى أن الإسلام نجح في مكافحة الخمر، وقطع دابره من المجتمع الإسلامي دون إحداث أي ضجيج، في حين فشلت تشريعات البشر في القضاء على ظاهرة الخمرة في المجتمع. فهذه الولايات المتحدة الأمريكية، أصدرت فيما مضى قانوناً يمنع الخمر لشدَّة الأضرار الناجمة عنه، واضطرَّت إلى التراجع عن هذا المنع لأنها لم تسلك السبيل الصحيحة إلى ذلك؛ ألا وهو الإيمان الراسخ بالله عزَّ وجل وبكلِّ عناصر العقيدة، وهذا ما يقوِّي إرادة الإنسان، ويشحنه بطاقات هائلة، فيكون على استعداد لامتثال أمر الله عزَّ وجل، لأنه يجد في هذا الامتثال أعلى درجات السعادة والمتعة. هذا هو السبيل للخلاص من الخمر ولا سبيل سواه، وما على البشرية المعذَّبة، والَّتي تكتوي بنار الخمر، إلا أن تلجأ إلى الله وتعتصم بشرعه الحنيف، لتتخلَّص من كلِّ ما ينغِّص عليها صحَّتها وسعادتها
الفوائد واللطائف
ـ يسعى الإسلام إلى بناء شخصيَّة الإنسان المسلم، وحمايتها من كلِّ الأضرار الَّتي يمكن أن تلحق بها، فيحذِّره من تعاطي المواد المضرَّة الَّتي تفتك بجسده وعقله، ومن اتِّباع السُّبل الَّتي تدخله في متاهات الإنفاق الطائش، طلباً للَّذائذ السريعة والمتع الجسدية الآنيَّة؛ الَّتي تشغله عن ذكر الله عزَّ وجل والشعور برقابته، وتجعله ينغمس في الأخطاء والمعاصي والآثام.
ـ الإنسان لا يمارس القمار ولا ينزلق إليه غالباً إلا بعد معاقرته للخمر، الَّذي يذهب بعقله ويفقده الإرادة والاتِّزان والتصرُّف السليم، وفي جميع الأحوال فإن الخسائر الماديَّة والمعنويَّة، الَّتي تلحق بمدمن الخمر وممارس القمار، توقعه في براثن العداوة للآخرين والحقد عليهم، فهم الَّذين جرُّوه إلى دائرة الخطأ، وأوقعوا به واستنزفوا أمواله.
أحكام فقهية
1 – دخول المطاعم التي تقدم الخمر :
الجلوس في المطاعم التي تقدم الخمرة لا يجوز إلا للضرورة، ويجب التفتيش عن مطاعم أخرى لا تقدم المحرمات، ولو كانت أقل في المستوى، أو أغلى ثمناً، أو أبعد مكاناً، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله تعالى خيراً منه.
2 - شراب الشعير الخالي من الكحول :
إذا ثبت أن شراب الشعير خال تماما من الكحول فلا مانع من شربه، وتركه أولى للشبهة، أماما فيه كحول فحرام شربه.
3 – استخدام زجاجات الخمر الفارغة :
لا مانع من استخدامها استخداما مباحا بعد غسلها جيداً وتطهيرها، وإزالة ما بها من رائحة النجاسة، والأفضل رميها وعدم استعمالها لغير الضرورة.
4 - العمل في مكان يبيع الخمر :
إن كان مشاركة في أي عمل يتصل بالخمر فالعمل حرام قطعاً ويجب التوقف عنه، وإن لم يكن مشاركة في شيء يتعلق بالخمر، فالعمل ليس محرماً، بل فيه شبهة لتعلقه بالمكان الذي يقدم فيه الخمر، والراتب هو من المال الذي فيه شبهة الحرام؛ وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام". أخرجه البخاري ومسلم.
فالأولى الانتقال إلى مكان آخر لا يقدم فيه الخمر، وإن كان بأجر أقل، فالله تعالى يبارك فيه، ويصبح كثيراً طيب، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله تعالى خيراً منه.
والله تعالى أعلم.
5 - الشراء من متجر يبيع الخمر :
لا يحرم شراء المواد المباحة من متجر يبيع الخمر، لكن الامتناع عن معاملة من يبيع الخمر أولى ما أمكن.
|