واحة الفكر
والثقافة
>>
مقالات فكرية :
ومن عرف اغترف!
يحدثني نسيبي الذي يدير مركزا لأبحاث الدواء عن أمر غريب..!
ذلك أنه يخبئ في ثلاجة بيته ثلاثة غرامات من سائل دوائي مركز قد استوردها مركزهم بعشرة آلاف دولار أمريكي!!!
ولك أن تتصور ما حجم هذه الغرامات الثلاثة وكم هي أهميتها وأهمية الجزء الصغير جدا منها...!
ويضيف لي أنه قد نبه زوجته وأولاده ألا يقربها أحد بسوء فإن الأمر جد ليس
بالهزل...فهو يعرف قيمتها وما تساويه..!!
وفي نفس السياق يحدثني أحد زملائي الذين درسوا في العراق المسلم – بلد العلم والحضارة- أنه سمع أستاذا جامعيا يروي قصته مع تلك المرأة التي انتهى إليها جهاز مختبري سرق من جامعة بغداد عند الاحتلال، وكيف جلست على الرصيف تبيعه بين مجموعة خردوات، ولما سألها الأستاذ عن ثمنه فإذا هو عشرون ليرة عراقية..!! وإذ بالأستاذ يخرج من جيبه وعلى الفور عشرين ليرة ويحمله ويرجعه للجامعة،هل تعرفون لماذا؟؟ لأنه عمل عليه بنفسه بإنتاج الأشعة فوق البنفسجية في الجامعة، ويعرف أن ثمنه سبعون ألف دولار أمريكي.! معذورة تلك المرأة؛ لم تعرف قيمته ولذا هان عليها...!!
ألم يبع أولئك النفر سيدنا نبي الله يوسف عليه السلام لرجال العزيز بثمن بخس: دراهم معدودة.. وكانوا فيه من الزاهدين.. فهم لم يعرفوا مكانته وشرفه عند الله جل وعلا...!!!
وأمية بن خلف ذلك الطاغية مسكين...؛ يدفع له أبو بكر رضي الله عنه لإعتاق سيدنا بلال رضي الله عنه خمس أواق ذهبا، فيقول له أمية : لو أبيت يا ابن أبي قحافة إلا أوقية لبعتك إياه لا حاجة لي به!! فيقول له المرضي الرضي: والله يا أمية لو أبيت إلا مئة أوقية لأخذته..!! نعم.. نعم.. إنه بلال الثابت الموحد.. المؤذن، المبشر بالجنة.. قدره أبو بكر قدره.. فرفع الله قدره..!!
انظر في نفسك ومن حولك...!!
ستجدنا نرتب أولوياتنا بحسب أهمية هذا الأمر أو ذاك..!
فالطالب إذا أعطي يومين للامتحان.. صارت أهمية الوقت بالنسبة له تشتد حرارتها كلما نقص الوقت.. إلى أن تبلغ أهمية الدقيقة الأخيرة في الدراسة مبلغها عند دخوله القاعة وتهيؤه لوضع كتابه جانبا...!!
يهل علينا رمضان الخير بعد أيام بإذن الله..!! سترى الناس متفاوتين في تغيير حياتهم فيه.. فمن عرف قيمته عند الله شمّر وغيّر..فاستثمر..!
ومن توسط توسط... ومن لم يعرف قيمته لم يقدره.. ولم يدر كم منه قد مضى ومرّ...!!
ومشكلة الآباء مع أبنائهم في الغالب تكمن هنا...!
فالأب يعرف قيمة الصغر.. وقيمة العمر.. وقيمة المدرسة.. وقيمة التبكير... وقيمة الجِدّ.. فينهى ويأمر.. ويرغب ويزجر... والولد كثيرا ما لا يقدر قيمة ذلك إلا بعد فوات الأوان... فيندم ويتحسر...!!
وإذا فتحت أي كتاب علمي منطقي.. في العقيدة... في الفقه.. في الإدارة.. في الطب.. ستجد صاحبه بعد تعريفه لذلك العلم.. يقول: أهمية الصلاة.. أهمية الإدارة... أهمية الرياضة...!! لأنك ما لم تعلم قيمة ذلك الأمر لن تقرأ فيه...!!
وهذا تماما ما يحصل لي ولك إذا فتحنا الصحيفة أو البريد الإلكتروني أو غيره.. سنبدأ بما ندرك أهميته ونعي قيمته... فهذا يبدأ بأسعار العملات.. وأخر بأخبار المباريات.. وثالث بحالة الطقس... ورابع وخامس...!!
سترى في السوق امرأتين إحداهما قد أحاطت نفسها بثياب كافية لكيلا يبدو منها مقدار أنملة.. والأخرى لم تبال بما انكشف من سترها قل أو كثر... فاعلم عندها أن السر في قدرهما للحياء والعفة والستر.,.!!
نزور المقبرة.. ندفن ميتا.. نرجع أتقى وأنقى.. لم؟!!
باختصار لأننا أدركنا قيمة العمل عند حلول الأجل...!!
نكره التداوي.. لكننا نذهب للطبيب ليكتب لنا دواء نشتريه بأعز مالنا.. لنشربه تجرعا... لأننا قدرناه قدره...!!
وإذا نزلنا بأرض ليست عربية.. وأردنا مخاطبة أصحاب الإنجليزية، عاد كل منا وهو عازم على الاهتمام بتطوير نفسه بتلك اللغة لأننا أدركنا أهمية ذلك وتأثيره..!!
وفي هذا المعنى تماما نعقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس.. شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) فكل هذه الأساسيات لها أهمية بالغة قبل وقوع الملمّات...!!
من قدر الله سبحانه حق قدره خاف مقامه.. أحبه وذكره وشكره وبكى من خشيته (ونهى النفس عن الهوى)..!
ومن عرف قيمة محمد صلى الله عليه وسلم.. أحبه وأطاعه.. ووفى له.. وصلى عليه..!!
ومن عرف قيمة الصبر صبر.. وقيمة العمل أقبل... وقيمة الإحسان أحسن.. وقيمة الخير أكثر...!!
وإذا حدثت أحدا بخير ترجو به قبوله فلم تلق منه قبولا فاعلم أنه لم يقدره قيمته فاجتهد في بيان أهميته له، وإلا فلا تضع وقتك في الإلحاح المجرد...!!
وكذا أنا وأنت...! مدعوان الآن... لنعرف قيمة ما حولنا من المهمات.. عبادة ربنا... واغتنام أوقاتنا.. وصحة أجسامنا... وتطوير أنفسنا...وتثقيف عقولنا.. وتربية أبنائنا.. وصلة من حولنا....!! وهكذا تكون أول الطريق..!!
منقول
|