آخر تحديث: 2024-03-14

     واحة الفكر والثقافة

نحن بحاجة اليك
انعقدت خناصر أهل العلم على كبير فضله، وكريم خصاله، ودماثة أخلاقه، وجمّ تواضعه، وحميد جُرْأته
::: المزيد

................................................................

دراسات قرآنية
إعمار بيوت الله
إصلاح ذات البَين
مكانة المرأة في الإسلام 3
مكانة المرأة في الإسلام 2
::: المزيد

................................................................

دراسات من الواقع
عُرف الصيام قديماً منذ آلاف السنين عند معظم شعوب العالم، وكان دائماً الوسيلة الطبيعية للشفاء من كثير
::: المزيد

................................................................

مقالات فكرية
خطة رمضان ( أنا والقرآن )
كيف يصوم اللسان؟
اللغة العربية والإعلام 2
تلاوة الأطفال للقرآن وسماعه تأديب وتربية وتعليم:
::: المزيد

................................................................

مقالات دعوية
من شمائل وأوصاف النبي المختار صلى الله عليه وسلم
بر الوالدين (حقوق الأولاد )
بر الوالدين 2( ولاتنهرهما )
بر الوالدين 1
::: المزيد
 

     وجهـة نظــر

خواطر شبابية
هل أنت تعامل الناس بأخلاقك ام بأخلاقهم ؟
من هو شهر رمضان ؟
أمـــــــــــــي
غزة والصحافة العربية
::: المزيد

................................................................

خواطر أنثوية
الأم
أفضل النساء
المعلِّم
همسة مؤمنة
::: المزيد

................................................................

مشكلات اجتماعية
قطيعة الرحم
في بيتنا أسير للكلمة التافهة !
15 حلا في 10 دقائق
كيف يقترب الأبوان من قلوب أبنائهم وبناتهم؟
::: المزيد

     سـؤال و جـواب

فتاوى
ظهور أحد في عمل فني يمثل شخصية سيدنا محمد
القتل
شروط الذكر
تسويق
::: المزيد

................................................................

مشكلات وحلول
احب احد من اقاربي
أرجو الرد للضرورة القصوى
ارجوكم ساعدوني انا افكر في الانتحار
أغاني تامر
::: المزيد

................................................................

تفسير الأحلام
حلم طويل
حلم غريب
حلم عن الحصان والفيل
انا تعبان
::: المزيد

................................................................

الزاوية القانونية
إبطال زواج
عقد الفرز والقسمه
الوكالة
الشهادة
::: المزيد
 

       أحسـن القـول

برنامج نور على نور الاذاعي
إعداد وتقديم :
الأستاذ الشيخ أحمد سامر القباني
والأستاذ الشيخ محمد خير الطرشان
الإرهـــاب
فريضة طلب العلم
خلق الحلم 2
خلق الحلم 1
::: المزيد

................................................................

محاضرات و نشاطات
سمك يطير
سمية في تركيا
ندوة الشباب ومشكلاتهم 2
ندوة الشباب ومشكلاتهم 1
::: المزيد
 

       اخترنــا لكـم

هل تعلم؟
هل تعلم
فوائد الليمون
فنون الذوقيات والإتيكيت الإسلامي3
فنون الذوقيات والإتيكيت الإسلامي2
::: المزيد

................................................................

قصة وعبرة
أبتي لن أعصيك... فهل لك أن ترجع لي يدي؟
أثر المعلم
المهم " كيف ننظر للابتلاء عندما يأتي ؟
كيس من البطاطا ..
::: المزيد
 

   ::    المزيد من الأخبار


الموجز في قواعد اللغة العربية

كتابٍ من صنعة متخصصٍ في علوم العربية عاش حياته لأجلها تأليفاً وتدريساً، ويدرك القارئ لهذا الكتاب تمكن المؤلف رحمه الله في هذا المجال وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج مبسط واضح جامع.
::: المزيد

 

 

حسب اسم الكتاب

حسب اسم الكاتب

حسب الموضوع

dot الموجز في قواعد اللغة العربية
dot غزوة الأحزاب بين الأمس واليوم
dot الإعجاز التشريعي والعلمي في آيات الطعام والشراب في سورتي المائدة والأنعام
dot أمريكا حلم الشباب الواهم

dot حاشية ابن عابدين
dot الموجز في قواعد اللغة العربية
dot معجم أخطاء الكتّاب
dot الميسر في أصول الفقه





 

 

 

 

 

 

 

 

 


واحة الفكر والثقافة >> مقالات فكرية :

بسم الله الرحمن الرحيم
الأمة العربية والإسلامية وتحديات العولمة
 
أيها الأخوة الحضور : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
 سنتحدث في محاضرتنا اليوم عن العولمة وتأثيراتِها السلبية والإيجابية على الأمة العربية والإسلامية على المدى القريب والبعيد ، حيث سنبين كيف بدأ مفهوم العولمة اقتصادياً.وانتهى ثقافياً وفكريا مخيفاً .وما هي آثارها علينا وعلى قيمنا ومبادئنا الأخلاقية والحضارية ، وما هي السبل كي لا تكون استعماراً جديدا بثوب جديد, إذ إن المتحدثون عن ظاهرة العولمة يسمونها أسماء مختلفة تدل على نفس المعنى، وهي العولمة والكوكبية (نسبة إلى كوكب الأرض) Globalisation  والعالمية، وكلها تدل على معنى واحد، وهو:
 النزعة لجعل العالم يعيش بمختلف شعوبه ودوله ومجتمعاته نفس الأنماط والعلاقات والنظم الاقتصادية والاجتماعية والحضارية والثقافية والفكرية التي أفرزتها الحضارية الغربية المعاصرة في نسقها الليبرالي وقيمها المادية, ومحاولة فرض تلك النظم والقيم على البلدان الأخرى بشتى الوسائل والأساليب ,
والمتأمل في هذه الظاهرة يجد أنها تعتمد العولمة الاقتصادية أولا والتي تتبنى إزالة الحواجز بين الأسواق في كافة أنحاء العالم من كل القيود التي تفرضها المصالح الوطنية والحماية الجمركية لحماية الاقتصاد الوطني. "فالعولمة" ذات بعد اقتصادي وتجاري بالدرجة الأولى، ولكنها تقتضي بالإضافة إلى ذلك أبعادا أخرى سياسية وحقوقية واجتماعية وثقافية وفكرية، لتأخذ بذلك طابع العولمة الكونية الشاملة, وتحول الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة ذات نموذج اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي وفكري واحد, متجاوزة بذلك خصوصيات وثقافات الأمم والشعوب لصالح الخصوصية الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص.
وإذا كان الحديث عن "العولمة" قد ظهر بقوة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، فإن الكثيرين ظنوا أنها ظاهرة جديدة، معتقدين أن ظهورها يرجع فقط إلى سقوط النظام الشيوعي في أواخر الثمانينات، حيث لم يبق في مجال الصراع الإيديولوجي سوى قطب واحد، هو الذي يمثل النظام الليبرالي، وتمثله الولايات المتحدة الأمريكية بامتياز. صحيح أنه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي أصبحت الولايات المتحدة تمثل القوة العظمى الوحيدة ، فراج الحديث يومها عن مفهوم "النظام العالمي" الجديد، الذي يقوم على نظام القطب المهيمن الواحد، في هذه المرحلة  كتب أحد المفكرين الأميركيين (فوكوياما) ما أسماه نهاية التاريخ، ويعني به نهاية تاريخ الصراع وانتصار الحضارة الغربية وذلك من منطلق رأيه في أن تاريخ الصراع بين مختلف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية قد انتهى بعد مخاض عسير مما أدى إلى انتصار النظام العالمي القوي الوحيد, وفرضه على الجميع وهو النظام الليبرالي الأميركي.
والواقع أن هذه العولمة التي أصبحت موضوع الساعة في المنتديات الاقتصادية والسياسية، تنطوي على الدعوة لميلاد مجتمع إنساني جديد يسمى "المجتمع الكوني"، مجتمع سيفرض عليه أن يتأقلم مع كل التحولات الحضارية والتكنولوجية التي ستعرفها العقود الأولى من الألفية الثالثة. فالتطور الذي عرفه العالم في النصف الأخير من القرن الماضي يجسد عالمية الحضارة الغربية وعولمتها بصورة أكثر عمقا في المجال الاقتصادي والإعلامي والعلمي. وأهم مظاهر هذا التطور:
1-      انتشار الديمقراطية الليبرالية.
2-      تكامل الاقتصاد العالمي وانفتاح البلدان على بعضها.
3-      ثورة الإعلام والاتصالات والتكنولوجيا.
وقد عرف العقد الأخير من القرن العشرين في مجال إعادة تنظيم العلاقات الدولية، والمبادلات التجارية، ومراجعة النظم الاقتصادية، نزوعا قويا نحو إقرار مبادئ فُرضت على أغلبية الدول ، بسبب حرصها على الانفتاح الحضاري، والانتفاع من التطور التكنولوجي وقد اقتضت سياسات التقويم الاقتصادي التبشير بقيم جديدة تمثل القاعدة النظرية لكل ممارسة اقتصادية. وهذه القيم تتمثل في الإقرار بجملة حقوق لا تقبل النقاش, منها حق تدفق المعلومات عبر شبكات الاتصال والإعلام كالانترنيت والأقمار الصناعية, وحق تسويق المعلومات عبر تلك الجسور والمحطات بما فيها تسويق السلع والإنتاج الفني والدعاية وعرض الخدمات والسلع المنتجة، بما يعينه ذلك من الإقرار بحرية التعبير والدعاية لكل إنتاج أو سلعة بالأسلوب الأكثر جاذبية، والإقرار بحق فتح الأبواب أمام كل عرض، وحق دخول المنتج لكل قطر أو بلد بعد فتح أبوابه، وإلغاء حدوده من غير قدرة الدول على مراقبة ما يتدفق داخل فضائها أو أرضها سواء كان ذلك ضارا بأبنائها أو نافعا، ملائما لثقافتها أو هادما لتلك الثقافة.
وقد ترتب على القبول بالحقوق السابقة فتح المجال أمام القوة المنتجة العظمى الوحيدة التي كان بإمكانها التحكم في التكنولوجيا المتطورة وفي تسخير هذه الشبكة المذهلة من الأقمار الصناعية المحيطة بالأرض لمصالحها.
وعلى أساس تلك القيم والحقوق يقوم اقتصاد السوق، وهو الغاية التي تسعى إليها الليبرالية الاقتصادية، وينطلق من القناعة بأنه بناء على ما حصل من تحسن ملموس في كفاءة الإنتاج بفضل المنافسة وارتفاع مستوى الجودة في الخدمات،فإن مطلب التنمية الاقتصادية في أي بلد قد كشف عن ضرورة ترسيخ حرية التبادل وتحفيز القوى المنتجة، وفتح المجال أمام الرساميل والعمالة والخدمات لتتجاوز كل الحدود التي تقف في وجهها، لتتيح لكل بلد أن يستفيد من تدفق الإنتاج والمعلومات وتقدم الخبرة الإنسانية، ولاسيما والعالم يسير تدريجيا نحو اقتصاد عالمي متكامل، لا يبقى فيه معنى لوجود أقطار معزولة أو منعزلة عن تبادل المصالح والمنافع والسلع ولا عن التعاون فيما بينها في شتى المجالات.
بيد أن القاعدة الأساسية الأولى لهذه الحقوق كلها كانت في مجال الضغط لتحرير التجارة العالمية والاقتصاد العالمي،
 والتي يليها مباشرة القاعدة الثانية لليبرالية الجديدة وهي العمل على زيادة الأنظمة الديمقراطية في الحكم، حتى تستطيع كل أمة أو شعب أن يعبر عن آرائه واختياراته بمحض إرادته وهذه الديمقراطية تقتضي الحرية والمساواة في النظام الاجتماعي والإقرار بحقوق الإنسان والشراكة في الحكم بإفساح المجال أما كل الفعاليات وقوى المجتمع المدني للمشاركة في إدارة شؤون الدولة بكامل الشفافية.
إن هذه المبادئ والحقوق، مترابطة فيما بينها كما نلاحظ، وكل منها يتكامل مع الآخر بحيث لا يمكن أن يقوم اقتصاد السوق مثلا بغير تحرير التجارة العالمية، ولا يمكن تحرير التجارة العالمية بغير تجاوز الحدود الجمركية وقيود الحماية القطرية، ولا يمكن تجاوز قيود الحماية القطرية بدون قيام دول ديمقراطية قوية قادرة على إنفاذ برامجها.

 والعولمة لا تعني أكثر من تحكم هذه القيم في النظم الاقتصادية والعلاقات الدولية. أي تعميم النظام الليبرالي بما يقتضيه من حرية المنافسة وزوال الحدود الجمركية، وتقليص سلطة الدولة الوطنية في حماية إنتاجها أمام منتجات الشركات العملاقة متعددة الجنسيات، التي تعتبر العالم كله سوقا لها. وهذا ما يعبر عنه أحد الباحثين الأوروبيين، بقوله: "أول ما تعنيه العولمة في بعدها الاقتصادي زوال الصفة الوطنية عن السوق والإنتاج، فالعولمة تقتضي نقل الأنشطة الاقتصادية من مستوى الدولة والوطن إلى مستوى العالم كله، دون أن تتقيد بشيء سوى قيمة التكلفة وحرية المنافسة.وكمثال على ذلك قيام شركة الطيران السويسرية بنقل كل إداراتها المالية إلى مدينة بومباي في الهند مستعيضة، عن المحاسبين السويسريين بهنود, لأن المحاسب الهندي يكلفها، 10% من السويسري. وما يصدق على المحاسبة يصدق على التكنولوجيا. ففي نفس الشركة يقوم مهندسون في الجمهورية التشيكية، بأعمال الصيانة لطائراتها وهكذا تصبح الشركة المذكورة تسيرها إدارة خارج سويسرا، عبر الانترنيت وتتعامل مع جهات بعيدة عن وطنها الأم وعبر العالم، وتتواصل فيما بينها ، وكأنها في مقر واحد. وهذا مجرد نموذج عن شركات عالمية يقدر عددها بنحو خمسة آلاف شركة دولية لكل منها عدة فروع عبر العالم، وتعرف بالشركات عابرة القارات.

ميزات وسيئات العولمة:
مما لا شك به أن العولمة تكتسح الأسواق العالمية تجاريا وإعلاميا وثقافيا وفكريا، وتحقق للاقتصاد الرأسمالي التحرر من أية قيود لأي دولة قطرية، وقد أصبح لهذه العولمة مخاطرها على كثير من الدول والشعوب, ولذلك أصبحت موضوع مدارسة وتحليل وتقويم متباينة، فلها أنصارها ولها خصومها. ونذكر على سبيل المثال الجهود التي تقوم بها "سوزان جورج" الأمريكية المقيمة في فرنسا منذ ربع قرن. وهي رئيسة مرصد "العولمة" في فرنسا. وتكرس جهودها لفضح سلبيات العولمة، التي تعتبرها مجرد شعار تدافع عنه الشركات العملاقة ، في الوقت الذي تعتقد هذه السيدة أنه تجب مقاومة "العولمة" باسم الحرية الليبرالية نفسها. وهناك كثير من المفكرين العرب والمسلمين يعتبرون العولمة مجرد استعمار جديد وتطور لرأسمالية جشعة تستهدف تحطيم السيادات الوطنية. والواقع أن العولمة وهي تنقل الاستثمارات الدولية وتفتح الأسواق الحرة تمس المصالح الاقتصادية الوطنية في الصميم. ولهذا يقال في مجال تقويم العولمة بإيجابياتها وسلبياتها أنها ابتلاع الأقوياء للضعفاء، وهيمنة الشركات العملاقة على الاقتصاد العالمي، وهذه حقيقة لا مراء فيها. ولكن أنصارها يقولون إن العولمة تتيح فرص ذهبية للدول المتخلفة، إذ تصبح تلك الدول تستقطب الرساميل والمشاريع الاستثمارية، بحكم انخفاض تكلفة الإنتاج فيها، ووفرة اليد العاملة وبذلك تتجاوز البلدان المتخلفة أزمة البطالة وتتيح لليد العاملة فيها التدريب والتأهيل على الإنتاج الجديد، كما تفتح أمام هذه البلدان أبواب التنمية الشاملة.
ولا يعنينا في هذا الحديث الموجز تناول هذا الخلاف بين أنصار العولمة وخصومها بالتفصيل، لأننا نريد أن ننظر إلى بعد آخر خطير من أبعاد العولمة وهو "البعد الثقافي للعولمة". إن النزوع إلى عولمة الاقتصاد والتجارة العالمية ليس سوى التعبير الأولي عن حقيقة الحضارة الغربية في نزعتها الليبرالية، (أول الغيث قطر) لتشمل كل نواحي الحياة الإنسانية حتى الثقافية والفكرية، هذه الحضارة التي لا يمكن أن نفصل فيها بين المادي والروحي، أو بين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والفكري, والتي عبرت عن رغبتها في فرض نموذجها الغربي وأنظمتها المتعددة على البلدان التي عرفت الاستعمار الأوربي سابقا، وذلك قبل ظهور مصطلح "العولمة" بل قبل بزوغ القرن العشرين. عندما غزت أوربا بجيوشها وإنتاجها الصناعي وثقافتها العالم القديم كله واستعمرت أقطار آسيا وإفريقيا والقارة الأمريكية ففي ظل الاستعمار الغربي الذي عانت منه جميع أقطار العالم الثالث, نشأت ظواهر التحديث والعصرنة للمجتمعات الشرقية والإفريقية, فأصبح جديد أوربا في كل شيء هو النموذج المتبع والمثال الذي يحتذى, حتى في الملابس والأثاث وعادات الحياة اليومية، بما في ذلك من قضاء على التقاليد الوطنية الموروثة ونأخذ مثالا على ذلك البلاد العربية الذي يدرك كل منا كيف تغيرت الحياة فيها رأسا على عقب، خلال القرن الماضي وهانحن نرى أن التقليد للحضارة الغربية يهيمن على حياتنا . وأن هذا التقليد يمضي قدما للقضاء على كل مظاهر تراثنا الوطني وعاداتنا وثقافتنا، وأن الأجيال الصاعدة من أبنائنا وشبابنا لا علاقة لها بهويتها الوطنية، ولا علم لها بمقومات هذه الهوية ولا رغبة لها في أن تأخذ بها،وما وقع للمجتمع العربي انسحب على كل المجتمعات في العالم في آسيا وأفريقيا، وهذا يعني أن العولمة الاقتصادية التي نتحدث عنها اليوم كانت مسبوقة بمرحلة فرض عالمية الحضارة الغربية التي اعتبرها الجميع نموذجا, على جميع أقطار العالم أن يأخذ به. وبذلك مهدت عالمية الحضارة الغربية لعولمة الاقتصاد في العالم ، في خدمة الرأسمالية الغربية كما تشخصها اليوم الولايات المتحدة الأمريكية بكل امتياز.من ذلك نجد أن غاية العولمة أن يصبح العالم بكل مجتمعاته وبيئاته يفكر ويعيش ويتبادل المصالح وينتج ويستهلك، ويمارس ضروب الرفاه على نمط واحد، وأسلوب موحد ويتكلم لغة واحدة، وفي غمار ذلك ستتوارى أو تختفي كل الخصوصيات الثقافية لأي بلد أو أمة، بما فيها خصوصيات الأمة العربية والإسلامية في عقيدتها وفكرها وأخلاقها. لقد حملت الحضارة الغربية منذ عرفناها هذه النزعة الفوقية المستعلية على كل ما هو وطني وخصوصي. حاملة في عمق ثقافتها نواة صلبة من المبادئ التي تعتقد أنها لا تقبل النقاش. وأنها من حتميات تطور التاريخ الإنساني. فهذه الحضارة تقوم على اعتماد العقل وحده ، وعلى البحث العلمي التجريبي، وعلى التكنولوجيا المتطورة وعلى ديمقراطية الحكم، وعلى اعتبار التطور حقيقة ملموسة لا معنى معها للحفاظ على التقاليد والنظر إلى الوراء وعلى النزعة المادية في الحياة الإنسانية.
إن الثقافة الجديدة التي تبثها وسائل الإعلام والاتصال هي البعد الآخر للعولمة، الذي أردنا الوقوف عنده بصفة خاصة في هذا الحديث. إذ من المعلوم أنه لا يمكن تحرير الأسواق من الحماية الجمركية، ولا تحرير التجارة العالمية ، وبغير فتح فضائها وبيوتاتها للإعلام الغربي، وإحلال التكنولوجيا المتطورة محل اليد العاملة، وسلخ المجتمعات من قيمها الأخلاقية والثقافية وبغير إحلال سلطة السوق الحرة على سلطة السوق الوطنية, وهذه الأبواب المفتوحة بدون قيد أو شرط لا تشمل المنتجات المادية وحدها وإنما تشمل الإنتاج الثقافي نفسه,إذ لا يمكن تصور عولمة اقتصادية بغير ثقافة عالمية تواكبها. ولهذا يقع التبشير اليوم بقيام مجتمع الإعلام والمعرفة الذي يتجاوز بقيمه المجتمع الوطني وتراثه وأخلاقه ليندمج في عالم مادي بدون مبادئ ولا قيم أخلاقية.إن هذا البعد الإعلامي للعولمة يعد ملازما أساسيا للبعد الاقتصادي والتكنولوجي، وعلى الذين يريدون مواجهة العولمة، أن يتساءلوا: ماذا يمكن أن نفعل ، حتى نتمكن من التمييز بين بعدين للحضارة الغربية، أحدهما مادي، نتنافس في الاندماج فيه والاستفادة من خيراته، والبعد الآخر ثقافي يتنافى مع هويتنا وعقيدتنا وأخلاقنا وقيمنا.
لقد حاولت بعض الدول الغربية المعتزة بثقافتها الوطنية كفرنسا مثلا الوقوف في وجه العولمة الأميركية في بعدها الثقافي واللغوي، أو بعبارة أوضح الوقوف في وجه ( أمركة الثقافة) واقترحت استثناء الجانب الثقافي من العولمة, لكنها باءت بالفشل، وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران قد أعلن سخطه على هذه "العولمة الثقافية" التي ستهدد الثقافة الفرنسية. وقال عندها"إن ما عجزت عن تحقيقه الأنظمة الشمولية بقوة السلاح أصبح تحقيقه اليوم ممكنا عن طريق تحالف الرأسمالية وقوة التكنولوجيا الأمريكية". 
وعقب أحد المسؤولين الأمريكيين على الموقف الأوربي قائلا: "الحقيقة المحزنة هي أن أوربا تدير ظهرها للمستقبل" ومعنى ذلك أن المستقبل للعولمة الثقافية مهما كانت المواقف تجاه هذه العولمة.إن الفكرة الأساسية لهذه العولمة الثقافية هي ضرورة ترك الباب مفتوحا للمنافسة الحرة، في سوق حرة، وبين أفراد يملكون كامل حرية الاختيار. والمعيار الذي يجب أن نعتمده في تقييم الإنتاج الثقافي هو النجاح أو الفشل في سوق العرض والطلب.
غير أن هذا المنطلق المرتكز على حرية المنتج والمستهلك يخفي الكثير من المغالطات والأخطار المحدقة. وفي مقدمتها تجاهله للفارق بين المنتجين أنفسهم. فالتفاوت المذهل في امتلاك أسباب التفوق التكنولوجي باستعمال مئات الأقمار الصناعية المبثوثة في الفضاء، التي تبث برامجها في كل أرجاء العالم، وتراقب عن كثب كل المكالمات الهاتفية عبر العالم، والتي تجعل الإلكترون يقوم مقام الطباعة والكتابة على شاشات الحاسوب والتلفزيون والهاتف النقال كلها أسباب تمكن الأقوياء وحدهم من تسويق إنتاجهم، والتأثير في العالم بما تهوى أنفسهم، علما بأن ثمانين بالمائة من الإنتاج المتلفز والمنقول عبر الانترنيت هو إنتاج أميركي، فهذا التفاوت الكبير سيكرس التبعية الثقافية التي نعيشها اليوم بكل مظاهرها، ولا ندري ما ستؤول إليه ثقافتنا وهوية أبنائنا على المدى البعيد، إن لم نتدارك الأمر,
 ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى بعض مظاهر الهيمنة الأمريكية  التي تتحكم بالثقافة والإعلام عبر العالم, (من باب إعرف عدوك)فالولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أكبر قوة اقتصادية تحرك نظام العولمة تسيطر على %40 من السوق العالمية في مجال الاتصالات وتنتج نحو %80 من الصور المبثوثة في أجهزة التلفزيون بالعالم. وتنتج %90 من أفلام الفيديو والسينما. والمؤسسات الأمريكية هي مصدر الإعلام لـ 1600 جريدة عالمية، وتزود 6000 محطة راديو وتلفزيون عبر العالم. أما الجامعات الأميركية فتستقبل نصف مليون طالب سنويا من جميع أنحاء العالم من غير الأمريكان، فتصهرهم في ثقافتها وتفكيرها. والكثير منهم يفضلون بعد استكمال دراستهم البقاء في الولايات المتحدة. أما في مجال البحث العلمي فإن المقارنة مخيفة، إذ تتفوق الولايات المتحدة في هذا المجال على غيرها تفوقا مذهلا. ويكفي أن نشير إلى جائزة نوبل العالمية التي تمنح لجهابذة العلماء والتي نالت منها الولايات المتحدة على مدى القرن الأخير 190 جائزة من أصل 450 جائزة لباقي دول العالم أي بنسبة 42% لأمريكا.
نحن إذا أمام قوة اقتصادية وتكنولوجية وثقافية وعسكرية كبرى تحركها قوة علمية وإعلامية لا نظير لها باعتبار أن عولمة الاقتصاد، لا بد أن يوازيها فرض ثقافة عالمية مهيمنة قد تتعايش معها الثقافات الوطنية على خجل أو تذوب فيها.
ومن البديهي أن الثقافة بأبعادها الوطنية والدينية واللغوية والفنية لا يمكن أن تحيا وأن تنموا إلا إذا كانت تعبيرا عن الخصوصية الوطنية، وكانت منبثقة عن العاطفة الجماعية والهوية الشعبية بعيدا عن التقليد والتبعية. وأن فرض النمط الواحد في أي شيء لا سيما في الثقافة لا يمكن أن يستمر، إلا في ظل القهر والتبعية المفروضة،
وهنا نصل إلى مسألة جوهرية، وهي التساؤل:كيف يمكن أن نقف في وجه هذه العولمة الثقافية، أو كيف يمكن أن نوفق بين العولمة(الكونية) والخصوصية العربية ؟ وعلى أي أساس يتوقع المتفائلون بأن الثقافة العربية الإسلامية ستصمد في وجه هذا الديناصورالثقافي, إن ثقافتنا العربية والإسلامية اليوم مهددة بهذا الغزو الإعلامي, والعالم العربي والإسلامي محاصر اقتصاديا وإعلاميا وثقافيا. ولن نتمكن من الحفاظ على هويتنا العربية والدينية، إلا باتباع إستراتيجية ثقافية وفكرية شاملة، قادرة على مواجهة ثقافة "العولمة" التي تختلف في عمقها وقيمها عن ثقافتنا وأصالتنا الدينية.
وللأسف فإن العرب اليوم الذين عليهم أن يتابعوا حمل راية الحضارة العربية الإسلامية، ليسوا على مستوى هذه المسؤولية, بسبب تفرقهم وتخلفهم عن ركب الحضارة, علما بأن علينا التصدي لتلك الهجمة الاستعمارية الشرسة, وذلك بتأهيل أنفسنا وشبابنا في جميع المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لمواجهة هيمنة الحضارة الغربية علينا. وعلينا أن ندرك أن الثقافة العربية الإسلامية مهددة اليوم بالتهميش والذوبان أمام زحف "العولمة" الثقافية وتراجع استخدام اللغة العربية, وللأسف أيضا ما زلنا نرى أن ردود الفعل ضد العولمة ما تزال ردودا عاطفية وانفعالية ربما تلجأ إلى العنف حينا، والحركات المتشددة والمتطرفة أحيانا. علما بأنه لا بد من اعتماد إستراتيجية فكرية ثقافية تربوية بعيدة النظر، محكمة محددة المراحل والأطوار، معززة بسياسة التخطيط والدعم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي القوي. بل يجب التأكيد على أن مواجهة العولمة لن تكون جادة إلا باعتماد إستراتيجية شاملة تتبنى مبادئ دعم الديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف لجميع أفراد الأمة ، وتنمية الطاقات البشرية والبحث العلمي في جامعاتنا ومراكزنا وتنمية روح الحوار الحضاري للحؤول دون وقوع صراعات دينية ومذهبية أو عرقية, أي أن علينا مقاومة "العولمة الغربية" بسلاحها العلمي الإعلامي، والاستفادة من إنجازاتها العلمية العملاقة لتحقيق أهداف الأمة بالتقدم والتحرر عملا بالقول المأثور "وداوني بالتي كانت هي الداء" لا مقاومتها بالعاطفة والثورة الانفعالية. التي تعتبر بمثابة مجابهة الصاروخ بالسيف، وبعبارة أوضح لا بد من التفاعل مع المنجزات الفكرية والعلمية والحضارية الحديثة تفاعلا مثمرا يخلص المجتمعات العربية والإسلامية من الاستبداد والظلم الاجتماعي والسياسي، كما يحرر العقول من التقوقع والانكماش والتقليد ويشجعها على الإبداع والابتكار والاجتهاد, وخير مثال على نجاح هذه التجربة ما جرى لنمور آسيا, وهي بعض دول شرق آسيا وفي مقدمتها اليابان ومنها دول إسلامية كبرى كماليزيا استطاعت أن تتفاعل مع العلم والتكنولوجيا ومارست الديمقراطية الحقيقية واحترمت حقوق الإنسان فكسبت الرهان وأصبحت تنافس القوى العالمية الكبرى. إن هذا المثال الملموس يدل على أن العولمة مهما تكن جنسيتها وأهدافها يمكن التحكم فيها واستعمالها لكسب رهان المستقبل وإلا فإن بقينا على حالة الجهل والتخلف والتشرذم والفرقة وعدم احترام حقوق الإنسان وإخفاء رأسنا في الرمال فلا مناص لنا من الخضوع لاستعمار جديد اسمه "العولمة" لا يبقى ولا يذر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.                         
                                                  
 
الدكتور المهندس عبد القادر الكتاني
أستاذ الدراسات الإسلامية العليا والتخصصية
رئيس مجلس الأمناء بمركز الدراسات العربية والإسلامية
22/4/2007 المركز الثقافي بكفرسوسة / دمشق
 

 

التعليقات

أضف تعليق

عنوان التعليق

الاسم

البريد الالكتروني

نص التعليق

كود التحقق

شروط نشر التعليقات

  • الالتزام بالآداب العامة المتعارف عليها والابتعاد عن أي مفردات غير مناسبة.

  • سيتم حذف أي تعليق لايتعلق بالموضوع .

  • سيتم حذف أي تعليق غير مكتوب باللغة العربية أو الإنجليزية.

  • من حق إدارة الموقع حذف أو عدم نشر أي تعليق لا يلتزم بالشروط أعلاه.

عودة إلى قائمة المقالات

حاشية ابن عابدين
قائمة الكتب
قائمة المخطوطات
واحة الفكر والثقافة
وجهة نظر
سؤال وجواب
أحسن القول
اخترنا لكم
أخبار الدار
كلمة الشهر

الكل يحلم بتغيير العالم، لكن لا أحد يفكر بتغيير نفسه. ليو تولستوي

afool sees not the same tree that awise man sees


 
النتائج  |  تصويتات اخرى

 









اشتراك

إلغاء الاشتراك

 
 
 


1445 - 1429 © موقع دار الثقافة والتراث ، جميع الحقوق محفوظة
Powered by Magellan