واحة الفكر
والثقافة
>>
مقالات فكرية :
أدعياء الصوم
ثمة أناس ــ من أدعياء الصوم ــ يحلو لهم أن يجعلوا من رمضان مشجباً يعلقون عليه أخطاءهم وممارساتهم غير المرضية، بل سوء خلقهم وفظاظة تعاملهم مع الآخرين، فترى أحدهم كالقنبلة الموقوتة يجمع في صدره كل مقت الحاقدين وحنق المغيظين، فما إن يبادره مبادر بكلمة حتى ينفجر في وجهه مخرجاً كل غله وضغينة قلبه ، والأنكى من ذلك أنه يسوغ سوء فعله هذا بصومه أو ((بأن الدنيا رمضان )).
ومن قال لك يا هذا إن رمضان شهر سوء الخلق، وضيق الصدر والعطن، وانطلاق اللسان بما لايحسن ذكره، ولا يحلو نطقه، ولا يجمل سمعه ؟ أتُراك إن فعلت هذا مسوغاً فعلتك التي فعلت بأنك صائم قبل الناس ذلك منك؟! أو رضي الله في هذا عنك؟! أم ترى شيطانك زين لك سوء فعلك وصدك عن السبيل ثم أمعن في إغوائك حين جعلك تتعلل لكل هذا بأن الدنيا رمضان؟!.
ربنا سبحانه يقول : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } وأنت تفهمها: لعلكم تفجرون أو تسيئون!
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول (( الصوم جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن سابّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم )) وأنت تفهم الصوم إباحة للشتم والسب وعلة لسوء الخلق وضيق الصدر وحجة تحتج بها لما ينطلق به لسانك من نابي القول وجارح الكلم !
رئيس مقررات اللغة العربية في الجامعة العربية المفتوحة بالكويت, وعضو مجمع اللغة العربية بدمشق.
أين أنت من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال (( كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا التعب ))؟!
بل أين أنت من قوله صلى الله عليه وسلم: (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))؟!.
إن الصوم يا أخي مدرسة يتعلم فيها الصائم كيف يتخلق بأخلاق الصالحين ويرتقي في مدارج السالكين فتصفو نفسه، ويتسع صدره، ويحلو نطقه، ويدع كل ما من شأنه أن يشوب صومه من سيئ الخلق أو فاسد العمل.
وإذا كان سوء الخلق وسلاطة اللسان أمراً مذموماً في سائر أيام العام، فأحر به يكون كذلك في رمضان، إذ تصفّد الشياطين، ويذوي الشر، ويعم الخير.
ولعمري إن من تسول له نفسه الفساد والإفساد ،والسب واللعن، وسوء الخلق، في وقت صفدت فيه الشياطين، لهو الشيطان بعينه.
جاء في كلام لقمان لابنه وهو يعظه : ( إذا كان خازنك حفيظاً وخزانتك أمينة رشدت في أمريك دنياك وآخرتك) يعني القلب واللسان.
وقال الشاعر:
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه فليس على شيء سواه بخزّان
وإن زعم زاعم أنه مجبول على ضيق الصدر, وسرعة الغضب, وسلاطة اللسان فليعلم أن الصوم ينبغي أن يهذب من طباعه، ويحسّن من أخلاقه، لأنه إن لم يفعل ذلك ضاع صومه، وفسدت طاعته. ولا ريب أن مثل هذا لايتأتّى للمرء دون كظم للغيظ، وتجمل بالصبر، وتحلم وتعلم. ولقد دلنا رسولنا صلى الله عليه وسلم على طريق ذلك بقوله : ( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتوخَّ الخير يعطَه، ومن يتوقّ الشر يوقَه ) .
أسأل الله سبحانه أن يُخلِّقنا بخلق الصائمين الصادقين، وأن يجنبنا كل ما يشين، ويلهمنا أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والحمد لله رب العالمين.
الدكتور محمد حسان الطيان
|