بسم الله الرحمن الرحيم
لئن كان التاريخ مَنْبعاً للدروس والعِبَر، وشُعاعاً من الماضي يُنير لنا الحاضر ويساعدنا على رسم المستقبل، فإن هذا لا يتحقق إلا إذا نُقل إلينا بدقة, وعالج أحداثه أهل التخصص، الذين يَصدُرون عن فهم الوقائع وإدراك حدودها وأبعادها، وكانت لديهم القدرة على إسقاطها على الواقع.
وها نحن ولله الحمد نرى رجلاً متميزاً هو الأخ الدكتور اللواء أحمد يوسف, يمخُر بنا عبابَ التاريخ، مركِّزاً على تاريخ اليهود مع أمتنا في الماضي والحاضر، في محطات متعددة، وصولاً إلى العصر الحالي منذ نشوء الحركة الصهيونية، ونكبة فلسطين وقيام الكيان الصهيوني عام 1948م، مروراً بمحطات الصراع اللاحقة، حتى معركة الفرقان أواخر عام 2008م وبداية عام 2009م.
ونراه في ثنايا هذا الكتاب الجميل يُحلِّل أحداث غزوة من أهم غزوات التاريخ الإسلامي، ويُسقط أحداثها على معركة من أهم معارك العصر ومن أكثرها عِبراً ودِلالةً، وما بين غزوة الأحزاب ومعركة الفرقان أحداث كثيرة تتشابه فيما بينها كما جلا سردَها المؤلفُ، وربما لا يتحقق الوقوف عليها إلا لمن أوتي فهماً عميقاً، وحباه الله قدرة كبيرة على الربط بين الأحداث، لتشكل عِقْداً تنتظم حبَّاتُه بشكل متناسق بعيداً عن التكلف أو وضع الأمور في غير سياقها الطبيعي، وهو ما تلحظه وأنت تقرأ هذا الكتاب الماتع الذي حوى بين دفتيه خبرة سنوات طويلة في المجال العسكري والحربي بأسلوب سهل ممتنع.
فكم نحن اليوم بحاجة إلى مثل هذه الأقلام الأصيلة والخبيرة التي تسهم في بعث الروح والأمل في الأمة، فنحن أمة عظيمة تضعف أحياناً لكنها لا تموت، وينبو سيفُها لكنه لا ينكسر، ويكبو جوادها لكنه سرعان ما ينهض ليواصل المواجهة.
وهذه المعاني لا يمكن أن يسطرها إلا كاتب شديد الاعتزاز بأمته، وبإسلامه وعروبته، متمسك بمبادئه وقيمه، موقن بعدالة قضيته، وانتصار أمته في نهاية المطاف.
فجزى الله سيادة الأخ اللواء الدكتور أحمد يوسف خير الجزاء على جهده الكريم هذا، فقد كتب في هذا الموضوع الذي انبرى له كتابة الخبير الملم بالموضوع من جميع جوانبه، وأنزله على الواقع تنزيلاً لا يأتى إلا للخبير المتمرس، وكل ذلك مشفوعٌ بعقل ذكي، وروح متوثبة طافحة بالبشر والأمل والانتصار.
ولقد أكرمني أخي العزيز اللواء الدكتور أحمد يوسف بطلبه تقديم هذا الكتاب، فسعدت أيما سعادة بقراءته والاطلاع عليه، وأسأل الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعله في ميزان حسناته.
مقدمة أ. خالد مشعل