"درر البحار" في سطور
أعز المكان في الدنيا سرج سابحٍ وخير جليسٍ في الأنام كتاب
[المتنبي]
إنه لكتابٌ مخطوط ومشهور باسم "درر البحار" للشيخ العلامة تاج الملة والقدوة الإمام مفتي الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن يوسف الحنفي المعروف بالقونوي رحمه الله تعالى (ت788هـ).
وهو كتاب في الفقه الحنفي الذي اقتبسه من بحار المذاهب مشتملٌ على مقارنة أهم فروع المذاهب الأربعة بأسلوب مختصر مفيد، وقد أبدع مؤلفه رحمه الله تعالى في اختصاره.
قد ألفه فأحسن تأليفه جمعاً وترتيباً وتهذيباً ورصانة ومتانةً وتنقيحاً مشتملاً على الحقائق الجزيلة ومنطوياً على الدقائق الجميلة، فدل ذلك على كمال فضله وملكة اقتداره على تأليف تراكيب غريبة، عجيبة بديعة، رائعة شائقة صعبة.
مثال ذلك، قال رحمه الله: في باب المسح على الخفين: ((شرطوا إكمالهما قبل الحدث لا اللبس ووافقاه أو يخالفه)). قد احتوى هذه المسألة على اختلاف المذاهب الأربعة فيها، مع بيان الرواية الثانية للإمام أحمد.
وللمؤلف منهج خاص في ذكر الخلاف في المذهب الحنفي حيث دل فيه على قول الإمام الأعظم إذا خالفه صاحباه بالجملة الاسمية وعلى قول أبي يوسف إذا خالفه صاحباه بالجملة الفعلية المضارعية وعلى قول محمد إذا خالفه صاحباه بالجملة الفعلية الماضوية وعلى خلاف زفر بالماضوية وألحق بها نون الجماعة وبالجملة الفعلية وألحق بها واو الجمع.
كما أنَّ له منهجاً خاصاً في ذكر الخلاف بين المذاهب الأربعة حيث دلَّ على خلاف الإمام الشافعي بالفعل المضارع لجماعة المتكلم وخلاف الإمام مالك بالفعل الماضي لجماعة الغائب وخلاف الإمام أحمد بالأمر والنهي، وله تفصيلات أخرى بالموافقة والمخالفة فيما بين المذاهب.
وحسبك به أهمية وكفى به فضلاً، فقد اعتنى به جهابذة العلماء شرحاً ونظماً.
فقد شرحه محمد بن محمد البخاري وسماه "غرر الأذكار في شرح درر البحار".
وزين الدين بن عبد الرحمن العيني، وعبد الوهاب بن أحمد بن وهبان، وشهاب الدين أحمد بن محمد خضر وسماه "الغوص لاقتباس نفائس الأسرار المودعة في درر البحار" كبير في مجلدات. ونظم المتن أبو المحاسن حسان الدين الرهاوي وسماه "البحار الزاخرة" وشرحه كذلك زين الدين القاسم قطلوبغا مختصراً قد أكمله ومطولاً لم يكمله.
ويعتمد عليه كذلك ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار".
ألفه رحمه الله تعالى في شهر ونيف، سنة 746هـ، قد يبدو قليل الحجم إلا أنه حوى مسائل كثيرة وفروع فقهية جمة مبيناً المفتى به في المذهب الحنفي.
لهذا الكتاب أربع نسخ: نسخة في مكتبة عارف حكمت في المدينة المنورة وأخرى في مكتبة الأسد في دمشق، وثالثة في مكتبة جار الله بالسليمانية في استانبول وأخرى في برلين عاصمة ألمانيا.
وجميع نسخه واضحة الخط ولله الحمد.
وقد قدم لجامعة الجنان بطرابلس لبنان لتحقيقه كاملاً لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن.
فنسأل الله أن يعين طلبة العلم لإخراجه من حيز المخطوطات إلى حيز المطبوعات مع شروحه التي لم تزل كذلك من ضمن المخطوطات، ولم يطبع أي منها حتى اليوم.
كتبه إسلام فوزي