وجهة نظر
>>
خواطر شبابية :
أنثى تلد 30 مولودة
تلك قصةٌلم أتوقَّع حدوثها، ولم يَدُرْ في خلدي مجيئها في هذا السياق، بدأت حين دخلت قاعة الدرس وطلبت من الطلاب فتح النّوافذ لشدَّة الحر، وأردت الشروع بالدرس فأخبروني بأن المكيف يعمل، ثم قال بعضهم: أنحضر جهاز التحكم؟، وقال آخرون: أنجلب الريمونت كونترول؟ إلى هنا انتهت القصة، وهممت ثانيةً لأشرع بالدرس، لكن لفت انتباهي وشَدَّهُ قولهم: "جهاز التحكم والريمونت كونترول" يا رب لطفك، أإلى هذا الحَدِّ استولت علينا اللغات الأجنبية وثقافتها وسيطرت؟ أإلى هذا الحد هانت علينا لغتنا لغة العلم والقرآن ؟.... فبدأت أحِّدثهم عن الثقافة، والغزو الثقافيّ والفكريّ وأخطارهما ومقاومتهما، وأهميّة الثقافة العربية، والمحافظة عليها وعلى الهوُّيِّة العربية، ثم طلبتُ منهم - عصفاً ذهنياً - تزويدي بأفكارٍ تحافظ على الهوية الثقافية العربية، وعلى اللغة العربية لغة القرآن، فانبروا لذلك مناقشين للفكرة بعمقٍ مناسبٍ لِعمر كلٍّ منهم وثقافته، وسررت باستجابتهم، لكن ما سرَّني وأشعرني بالنّشوة أكثر استجابةُ النشئ الجديد، استجابة الأشبال الذين لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة، هؤلاء الذين يستهدفهم ذاك الغزو، بدؤوا يُثْرُون الموضوع ويتبارون بإعطاء الأفكار، وكأن باعثاً دفعهم فجأةً إلى الانتصار للغتهم وثقافتهم إثر شرحٍ مُبَسَّطٍ لشيءٍ من أبعاد الموضوع وأخطاره.
إذا رأيتهم رأيت فيهم حماس الشباب وعنفوانه واندفاعه الذي ينبغي علينا وعلى كافّة المؤسسات الحكومية والأهلية والاجتماعية والفنية توجيهه للخير وتوعيته.
وإذا عُدْنا للسرور والنشوة التي شعرت بها فإني أراها بازديادٍ كلما ذكرت أن الطلاب قد أدركوا - على الأقل الكبار والواعون منهم – أهمّية ما أقول وأَثْرَوْا الموضوع بأكثر من ثلاثين فكرةً استولدوها من الفكرة الأُمِّ التي حدثتهم عنها، بعد مصادمة الأفكار بيني وبينهم والعصف الذهني، وهنا لا بُدَّ من أن أذكر نقطة ألا وهي الاستفادة من طاقات الشباب وأفكارهم.
ثلاثون فكرةً استولدها خمسون طالباً، فلننظر إلى عدد طلابنا في العالم العربي ولنستولد منهم أفكاراً تحفظ ثقافتهم ولغتهم، ولن أطلب نصف عددهم أفكاراً، بل عُشْرُهُ يكفي، بشرط قوة الفكرة والعزم على تطبيقها.
ثلاثون فكرةً - على تفاوت دقَّتها وأهمَّيتها - صدرت من طلابٍ تتراوح أعمارهم من: 13-30 سنة.
هذا الجيل الذي نأمل منه بإذن الله نهضة ثقافتنا ولغتنا وفكرنا، فلنُعِدَّه إعداداً جيداً، ولنحافظ عليه، ولنصقل فكره وشخصيته، ولنوجِّهه ولنُوَعِّهِ إلى مستقبله، وحمل راية العروبة والإسلام.
هذا الفرق بين جهاز التحكم وبين الريمونت كونترول إنه فرقٌ ثقافيٌ أكثر منه لغوياً.
وهذا ما نأمله من جيلنا الواعد.
وهذه قصة التي ولدت (30) مولودةً تحافظ على اللغة العربية والثقافة العربية.
والحمد لله رب العالمين.
ضياء الدين فرفور
|